أخبار

اليوم العالمي للطفل… وصرخة مجتمع في وجه جرائم لا تُغتفر  .. بقلم / أحمد سلام*

رجال الأعمال 

يحلّ اليوم العالمي للطفل والذى أقرته الأمم المتحدة في 20نوفمبر من كل عام ليذكّرنا بأن مستقبل الأمم يبدأ من حماية الطفل وصون حقوقه، وأن الاحتفال الحقيقي لا يقتصر على الفعاليات الرمزية، بل يمتد إلى مراجعة الواقع ومعالجة التحديات التي تهدد حياة الأطفال وسلامتهم النفسية والاجتماعية. وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت جرائم الاعتداء والتحرش بالأطفال بشكل يفرض علينا التوقف أمام خطورتها، ومراجعة التشريعات وآليات الردع، لضمان أن تتحول حماية الطفل إلى أولوية دولة ومجتمع وقانون.
الاعتداء الجنسي على الأطفال ليس مجرد انتهاك فردي، بل جريمة تهزّ كيان المجتمع وتترك آثارًا طويلة الأمد على الضحية والأسرة والمجتمع ككل. وقد أثبتت الدراسات المتخصصة في علم الإجرام—وهو التخصص الذي أنجزت فيه دراساتي العليا بقسم الاجتماع – أن هذا النوع من الجرائم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بضعف الردع القانوني وبطء إجراءات التقاضي، وأن الجاني غالبًا ما يستغل الثغرات أو بطء العدالة ليفلت أو يقلل من حجم العقاب.
ووفقًا لهذا المنظور العلمي، فإن حماية الطفل لا تتحقق فقط عبر العقوبات، بل عبر رؤية وقائية شاملة تبدأ من التشريع، وتشمل الأسرة والمدرسة والإعلام، وتنتهي في قاعة المحكمة بسرعة الفصل في القضايا وإعلان العدالة واضحة وقاطعة.
ويقف المجلس القومي للأمومة والطفولة كجهة وطنية مركزية تعمل على حماية حقوق الطفل، وقد نجح المجلس في تفعيل خط نجدة الطفل 16000 للتعامل مع بلاغات الاستغلال والعنف ، التنسيق مع النيابة العامة ووزارة الداخلية للتحرك السريع في حالات الخطر، إطلاق حملات للتوعية بخطورة التحرش والأذى الجنسي،وكذلك إعداد مقترحات لتعديل قوانين حماية الطفل وتشديد العقوبات.
ورغم هذه الجهود، فإن حجم التحديات يؤكد ضرورة منح المجلس دعمًا تشريعيًا وتنفيذيًا أكبر، وتمكينه من سرعة التدخل وتوسيع نطاق الحماية داخل الفضاء الإلكتروني والمدارس والأماكن العامة.
خلال فترة عملي السابقة كمستشار إعلامي للمجلس القومي لشؤون الإعاقة، لمسـتُ عن قرب هشاشة الفئات الأكثر عرضة للانتهاك، ومن بينهم الأطفال وذوي الإعاقة، ورأيت كيف يمكن للإعلام الواعي والتشريع الصارم والتعاون المؤسسي أن يغيّروا الواقع ويحموا الحياة اليومية لهذه الفئات.
ومن هنا تأتي أهمية وجود منظومة منسّقة تجمع بين المجلس القومي للأمومة والطفولة، ووسائل الإعلام، والنيابة العامة، ومؤسسات المجتمع المدني، لتشكيل سياج حماية فعلي وليست مجرد نصوص على الورق.
مطالب المجتمع بتشديد العقوبات—والتي ترتفع حدتها كلما ظهرت جريمة جديدة—تعكس خوفًا حقيقيًا على الأطفال ورغبة في حماية المجتمع من “الذئاب البشرية” كما يصفهم البعض. لكن تحقيق الردع لا يمكن أن يكون إلا من خلال القانون، فتصبح التشريعات… ضرورة الردع لا الانتقام وذلك يمكن ان يتم عبر: تشديد عقوبات التحرش والاعتداء على الأطفال إلى أقصى مدى واعتبارها جرائم كبرى لا يجوز فيها تخفيف العقوبة أو التصالح، مع ضرورة إنشاء دوائر قضائية متخصصة لسرعة الفصل فيها ، بالاضافة الي أهمية تطوير أدوات جمع الأدلة خاصة في الجرائم الرقمية (هي الجرائم التي تُرتكب باستخدام الوسائل الإلكترونية أو عبر الإنترنت، مثل التحرش أو استغلال الأطفال عبر الرسائل والمنصات الرقمية، القرصنة، الابتزاز الإلكتروني، اختراق الحسابات، نشر الصور أو البيانات الخاصة دون إذن، أو استخدام التكنولوجيا للإضرار بالأفراد أو المجتمع.
فالهدف من التشريعات ليس الانتقام، بل حماية المجتمع ومنع الجريمة قبل وقوعها، لأن الردع الحقيقي يبدأ حين يرى الجاني المحتمل أن القانون لا يساوم ولا يتردد.
يأتي عيد الطفولة ليذكّرنا أن الطفل ليس مسؤولية أسرته فقط، بل مسؤولية دولة ومجتمع وإعلام وتشريع.
والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو:هل فعلنا ما يكفي لنضمن أن ينشأ أطفال مصر في بيئة آمنة؟
في النهاية علينا التأكيد علي أن حماية الطفل ليست رفاهية اجتماعية، بل أمن قومي لا يقل أهمية عن الاقتصاد والبنية التحتية وحماية الحدود…، فالحماية تأتي في إطار بناء الانسان ، وأي تراخٍ في هذا الملف هو تراخٍ في مستقبل مصر نفسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب المقال حاصل على دراسات عليا في علم الإجرام، وهو علم يدرس الجريمة بوصفها ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالبيئة والثقافة والتشريع، ويحلل أسبابها وآليات الوقاية والردع، كما شغل منصب المستشار الإعلامي للمجلس القومي لشؤون الإعاقة، وهو ما أتاح له خبرة عملية في قضايا حماية الفئات الهشّة وتعزيز الوعي المجتمعي بحقوقهم.