أطياف تداعب طفولة الشمس لمرفت البربرى
في الغرفة المطلة على الشروق من منزلنا الكبير_أو كما كان أبي وأمي يحبون تسمية هذا الجانب من الحجرات”الجناح الشتوي”_؛فقد كانت لغرفنا رحلتان:شتاء وصيفا في كل عام، عندما نقوم بتبديلها ؛ فلم نشعر ببرد أو حر في هذا البيت الدافئ ذي النسيم العليل ، وشجرة المانجو التي تسكن حديقته، لم تكن مثمرة فقد أهملها جيراننا الذين يسكنون جوارها في السلاملك، بل كانوا يسقونها ماء الغسيل المضاف إليها البوتاس والمساحيق، فبقيت ثاوية على أرض الحديقة الجدباء ؛ لكنها لم تحرمنا موسيقى أوراقها عندما يداعبها النسيم ورائحة أوراقها الخضراء الندية، جلست وأمي في قبس منحتنا
إياه الشمس التي ملأت فراغ الغرفة حتى غفت أشعتها المشاغبة على الحائط المقابل للنافذة ، استمعت أمي لبرنامج “ربات البيوت”وانتظرت بشغف نهايته وأنا أشاكس ذرات الغبار التي عشِقَت هذا النور فراحت تسبح فيه ، وعندما سمعت نداء يا ولاد
ياولاد تركت الغبار وأرحت رأسي في حجر أمي التي كانت تنظف حبات الأرز من شوائبه، وهي تتابع برامج الراديو بشغف، وكان حجرها مكان راحتي، ووضعت بجوارها الخضار لتنظيفه في حضن هذا الدفء، كانت تقوم بتحضير كل شيء في هذه الغرفة لتمنح الشمس جسدي القوة ، وبعد أن تزاور أشعتها عن نافذتنا تقوم إلى المطبخ وتأخذني أيضا إلى جوارها، بدأت أبلة”فضيلة”في سرد الحدوتة، حركت رأسي لأنظر في عين الشمس ربما أعرف حقيقتها التي تخفيها بعيدا في حجر السماء، لم تتحمل عيناي شدتها فأغمضتهما، فرأيت شموسا تسكن الفراغ بين جفنيَّ وعينيَّّ، في هذه المساحة ألقت الشمس الأم بشموسها الصغار وتركتهم يلعبون فيها ويكشفون لي سرا من أسرارها، أفرغوا حقيبة الألوان وصنعوا منها لوحات من بهجة الطيف.
فتحت عيني فإذا بالشموس الصغار قد احترقت ولونت برمادها رأسي الغافي على وسادة تفتقد دفء حجر أمي ، ظللت أجهش حتى احتضنتني أمي لتزيل وحشة وحدتي ، شممت رائحة شجرة المانجو، وعبير حضن أمي، سمعتهم ينادونني ونداؤهم يمتزج بالبكاء ما عرفت منهم غير شموس تحمل قسماتى.