تقرير” شاف” يكشف السودان بين مفترق الطرق وسيناريوهات الأزمة

فتحى السايح
صدر تقرير من مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأبحاث والصراعات بالشرق الأوسط وأفريقيا بعنوان (” تقدير موقف ” .. السودان بين مفترق الطرق.. إلى أى مدى ستؤثر عدوى الصراع على دول الجوار؟) وبتوجيه من الدكتور زين السادات الأمين العام والمدير العام لمركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأبحاث والصراعات بالشرق الأوسط للباحثين في المركز بتحليل الوضع في السودان ومدى تأثر دول الجوار وأعرب الدكتور زين السادات عن خطورة تداعيات النزاع في السودان مما تطلب إخراج تقرير شامل لهذا الصراع بقراءة متأنية للأحداث ومدى دور اللاعبون الدوليون في الملف السوداني واهمية خروج السودان من أزمته للاستقرار المنطقة والعالم
وقالت دينا لملوم باحثة في مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأبحاث والصراعات بالشرق الأوسط وأفريقيا “معدة التقرير ” أن السودان تشهد حالة من التشرذم وتواجه معتركاً دامياً يعد الأخطر فى تاريخها السياسى الحديث، حيث اشتعال فتيل الأزمة بين قوات الدعم السريع والجيش، الأمر الذى قد يزج بالبلاد فى نفق مظلم من الانقسام بين قوتين متصارعتين عسكرياً، إذا لم يتم حسم الصراع لطرف واحد يتمكن من إحكام قبضته على السودان برمتها، هذا وقد انتقلت عدوى الصراع إلى دول الجوار، التى تشهد بطبيعة الحال، صراعات وتوترات سوف تزداد حدة جراء ذلك الوضع، وتكتم القارة السمراء أنفاسها فى ظل وضع مذرى قد يصل إلى حافة الهاوية إذا لم يتم وضع حد لهذه المعضلة.
أشار التقرير إلى أنه لم يكن الصراع الدائر فى السودان وليد اللحظة، بل هو امتداد لأربعة حروب سابقة، من بينها أحداث دارفور التى حدثت عام ٢٠٠٣، ومنها بدأت قوات الدعم السريع تكتسى بالشرعية التى منحها الرئيس السابق “عمر البشير” لحميدتى، وباتت الأوضاع فى السودان تزداد من سئ لأسوأ، حتى آن الأوان لتنفيذ الاتفاق الإطارى، تحت مظلة مجلس السيادة برئاسة البرهان، والذى يقضى بدمج قوات التدخل السريع فى قوام الجيش النظامى، فى ظل مرحلة انتقالية تنتظر إجراء الانتخابات وتسليم الحكم للمدنيين، إلا أن الخلافات وقعت بين حميدتى والبرهان موضحاً أن هذا الخلاف ظاهره طريقة الدمج، ولكن باطنه يكمن فى الخلاف على من سيمتلك النفوذ والسلطة؛ وذلك لأنه لا يمكن للسودان أن يكون لها رئيسين وتشكيلين مسلحين، ومن هنا فقد اشتعل فتيل الحرب، فالبرهان يرى أن قوات الدعم السريع تحد من قدرة الجيش على بسط نفوذه على البلاد، وأن التفاوض مع مثل هذه القوات ستكون مخرجاته تقاسم السلطة بين الطرفين، أما حميدتى الذى يحمل الرتبة الفخرية لا الميدانية، يرفض الدمج؛ لأنه سوف يؤدى إلى خروجه من السلطة، وقد كانت هذه القوات هى من أوصلته للسلطة؛ حيث أنه لم يمكن يمت للجيش بأى صلة؛ لذا فإنه لن يسمح بأى إجراء من شأنه إزاحة عرشه وتربعه على مقاليد الأمور فى السودان، وخسارة المكاسب التى حققها على مدار السنوات الماضية
أضاف ان الوضع مفخخ ومتشابك، ينذر بتصعيد محتدم يتمسك فيه كل طرف بحقوقه التى تفجر الوضع بسببها، هذا وربما يلجأ الطرفان إلى طاولة المفاوضات لوقف المواجهة الحادة القائمة بشكل مؤقت، لحين إشعار آخر.
أشار إلى أنه فى ظل الأوضاع المضطربة التى يعيشها السودان، نجد أن حالة عدم الاستقرار فى البلاد تعنى انتقال عدوى الصراع، ونشوء حالة من عدم الاستقرار فى المنطقة بأكملها؛ تأثراً بما يعرف بأثر الدومينو، وذلك فى ظل التحديات التى تعانى منها العديد من الدول الإفريقية، وبشكل خاص دول الجوار السودانى، والتى تواجه اضطرابات حادة داخل حدودها، كجنوب السودان وتشاد وإثيوبيا، علاوة على مصر وليبيا، وغيرهم من الدول؛ لذا فبقاء الأزمة دون حل سوف يؤدى إلى انعكاسات خطيرة ستمتد إلى الدول المجاورة للسودان، وسوف تدفع هذه الدول ثمن الصراع إذا لم يتم حل الأزمة بشكل عاجل وفورى، وسيتم الإشارة إلى أبرز الدول التى تأثرت بشكل كبير جراء هذا الصراع
اكد ان حالة الهلع والقتل فى السودان تعمل على تعطيل صادرات النفط فى المنطقة، وهذه العملية من شأنها تسريع وتيرة التصدع الاقتصادى بالجنوب السودانى، حيث خيم الفقر المدقع على أغلبية الشعب؛ جراء التضخم المتفحل، ونهب الجنود والمسلحون الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ فترة طويلة مستودعات المساعدات الإنسانية، وقتلوا العاملين فى المجال الإنسانى، أيضاً تعد الفيضانات التى ضربت البلاد مؤخراً، وتتابع عمليات القتال الداخلى وانتشار الفقر، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار والقتال الدائر حالياً على الحدود، دائرة مفرغة مفادها معاناة إنسانية تجعل أكثر من نصف سكان جنوب السودان فى حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية عاجلة؛ تجنباً لاحتمالية حدوث مجاعات فى هذه المجتمعات الهشة.
أشار إلى أن مصر بالسودان يربطهما تاريخ مشترك فى السياسة والتجارة والثقافة، وقضية مياه النيل والتهديدات الإثيوبية لحصتهما من هذه المياه جراء مشروع سد النهضة، فهناك حلقة وصل مشتركة تدفع العلاقات المصرية السودانية إلى التعاضد والتعاون من أجل الحفاظ على حق تاريخى، والاستماتة فى مواجهة التعنت الإثيوبى، فكيف إذا تدهورت العلاقات بين هاتين الطرفين، فربما تتعقد جهودهما للتوصل إلى اتفاق بشأن السد، وقد تنتهج إثيوبيا دبلوماسية المياه العكرة، ومحاولة جذب الجانب السودانى لصالحها والتحالف سوياً ضد مصر، ومن ثم تعطيل المصالح المشتركة بين القاهرة والخرطوم، أيضاً تخشى مصر من الاضطرابات السياسية التى تشهدها السودان الواقعة على حدودها الجنوبية، التى قد تهدد أمن واستقرار البلاد،
وتساءل ماذا عن شأن الجالية السودانية فى مصر، والتى تعد أكبر جالية أجنبية على الأراضى المصرية مضيفاً انه قد تزداد وتيرة التدفقات من قبل السودانيين الفارين من الأوضاع المتدينة فى السودان
اضاف أن مصر قد تضررت من هذه الحرب، حيث قامت قوات الدعم السريع بأسر بعض الجنود المصريين الذين كانوا يشاركون فى تدريبات عسكرية مشتركة بين البلدين، حتى انتهى الأمر باستشهاد عضو من أعضاء البعثة الدبلوماسية، وربما التعدى على حرمتها التى نص عليها القانون الدولى، وصار المشهد السياسى متأزم، فى ظل صراع تشهده جارة مصر الجنوبية، قد تتحمل القاهرة فاتورة هذا الصراع
أكد التقرير ان محاولة قوات غير نظامية مثل قوات الدعم السريع للوصول إلى السلطة فى الخرطوم من شأنه أن يشكل تهديداً وجودياً للنخبة الحاكمة فى تشاد، وتثار المخاوف داخل السلطات التشادية من أن انتصار حميدتى قد يعزز الطموحات داخل الفصائل المختلفة، خاصة قبيلة الرزيقات التى ينتمى إليها دقلو، وذلك على حساب قبائل أخرى، وتسعى إنجامينا للحفاظ على توازن ظاهرى ودعوة المتحاربين للحوار وإجراء محادثات بين الطرفين، وقد استقبل شرق تشاد أكثر من ٤٠٠ ألف لاجئ سودانى، وقد أدى الصراع الدائر فى السودان إلى لجوء ما بين ١٠ و ٢٠ ألف شخص فارين من المعارك، وهذا سوف يشكل عبئاً إضافياً على كاهل الخدمات العامة واستنزاف الموارد فى البلاد، وعلى خلفية الصراع الحالى، فقد قام العديد من العسكريين السودانيين بالدخول إلى الأراضى التشادية، هذا وقد قامت الحكومة بإغلاق الحدود مع السودان، وناشدت المجتمع الدولى والإقليمى بمنح الأولوية لإعادة السلام والاستقرار إلى البلاد.
أشار تقرير مركز شاف إلى أن صراع النفوذ فى السودان قد يرتد عكسياً على دولة كإثيوبيا خاضت حرباً ضارية مع إقليم التجراى؛ نجم عنها توافد عشرات الآلاف من النازحين الإثيوبيين إلى الحدود السودانية الإثيوبية، وثارت توترات بشأن منطقة الفشقة الخصبة المتنازع عليها على الحدود، وذلك فى الوقت الذى تعد فيه الحدود السودانية من أكبر الملاذات للهاربين من حروب المنطقة، ونشوب الحرب الحالية من شأنه استمرار مسلسل المعاناة الإنسانية، حيث تهديد عمليات تدفق المساعدات الإغاثية إليهم، ومن ثم زيادة حدة الأزمة الإنسانية فى القرن الإفريقى، أيضاً بالرجوع إلى المناوشات الدائمة التى تشهدها المناطق الحدودية المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا، نجد أنه ربما يلجأ أى طرف من الطرفين لاستغلال الاضطرابات فى السودان للضغط من أجل تحقيق أهدافه، علاوة على ذلك قضية سد النهضة التى مازالت عالقة على مسرح الدبلوماسية الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، ومآلات الحرب فى السودان وتأثيرها على هذه القضية، ومحاولة آبى أحمد اغتنام هذه الفرصة لمواصلة تعنته ومحاولاته أحادية الجانب بشأن السد.
كشف التقرير إلى أن الأزمة فى السودان قد تنعكس على الأوضاع فى ليبيا؛ نظراً لوجود حدود مشتركة هشة أمنياً بين طرابلس والخرطوم، وبالتالى فقد تكون الأراضى الليبية مرتعاً لقوات الدعم السريع حال إلحاق الجيش السودانى الهزيمة بهم، خاصة فى ظل العلاقة التى ربما تربط حميدتى بحفتر قائد قوات الجيش الوطنى الليبى، وكذا سوف يؤثر ما يجرى فى الخرطوم على ملف المرتزقة السودانيين الذين تسعى الأمم المتحدة لإخراجهم من البلاد، فتلك الجماعات قد تتخذ من الجنوب الليبى قاعدة عسكرية لإدارة عملياتها وتأمين قواتها حال هزيمتها فى الداخل السودانى، كل هذه الأمور من شأنها تهديد أمن واستقرار ليبيا، كما أنها تعد بمثابة جرس إنذار يشير إلى ضرورة التخلص من الميليشيات وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، حتى لا تنال مصير السودان، أيضاً يعد الاستقرار السياسى حالياً فى ليبيا مطلب هام ومحورى؛ نظراً لقرب موعد الانتخابات والتسوية السياسية التى ترعاها البعثة الأممية، ومن ثم فإطالة أمد الصراع فى السودان من شأنه تهديد هذه التسوية.
أشار إلى أنه يتواجد على الأراضى السودانية أكثر من ١٣٤ ألف لاجئ وطالب لجوء من إريتريا، حيث الهروب من نظام التجنيد الإجبارى الذى يفرضه نظام الحكم فى أسمرة، هذا بالإضافة إلى فرار الكثير من اللاجئين الاريتريين فى شمال إثيوبيا من مخيماتهم على خلفية القتال الذى دار فى إقليم التجراى، وقد يواجه اللاجئون الاريتريون فى السودان نفس المصير فى حال تفاقمت الأوضاع وخرج الصراع عن محيط الخرطوم، هذا وقد يعمل طوفان اللاجئين المتدفق إلى إريتريا إلى تفاقم الصراعات الداخلية وزعزعة استقرار وأمن البلاد.
كشف تقرير مركز شاف إلى أن السعودية والإمارات لعبا دوراً مهماً فى الشأن السودانى، ولكنهما اتخذا منحى مساندة قوات الدعم السريع، عبر تقديم مساعدات مالية وعسكرية لهذه القوات؛ نظراً لمشاركة جنود سودانيين كان معظمهم من الدعم السريع جنباً إلى جنب السعودية فى نضالها ضد الحوثيين فى اليمن، أيضاً اهتمام الإمارات بالذهب الذى يملك حميدتى قائد قوات الدعم السريع حق التنقيب عنه، وربما شكلت محاولات السعودية والإمارات لدعم هذه القوات مسعى نحو مجابهة النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وفى نفس الوقت ترسيخ وجودهما العسكرى فى القرن الأفريقى.
.