أخبارصحة

التخلص من مشاعر القلق والتوتر وتحويله إلى طاقة إيجابية

د محمد حافظ ابراهيم

 

اوضحت الباحثة في علم النفس الدكتوره كيت سويني بلهجة ملؤها الأسف انها اصبحت أقرب إلى أن تكون محترقة في الشعور بالقلق. فهذه الدكتوره عانت الأمريْن، على مدى الجانب الأكبر من حياتها بسبب هذا النوع من مشاعر القلق والتوتر، التي تساورها حيال ما تعجز عن التحكم فيه من أمور بشكل كامل . ويشمل ذلك الآن مثلا، عدم قدرتها على ضمان إلزام والديْها، باحترام قواعد التباعد الاجتماعي، المفروضة للحيلولة دون تفشي وباء كورونا.

 

ورغم أن إصابة المرء بقلق مزمن، ولو بقدر منخفض، يؤثر عليه سلبيا؛ فإن ما تتميز به الدكتوره كيت سويني يتمثل في أن معاناتها من هذا الأمر، كان من بين الدوافع التي حدت بها لاختيار مسارها المهني، إذ آثرت أن تكون خبيرة في الصحة النفسية في جامعة كاليفورنيا فرع ريفرسايد، وتتخصص بالتحديد، في فهم أسباب القلق والتوتر وطرق العلاج .

 

وتعلق الدكتوره كيت سويني على ذلك قائلة انه لا يستغل الجميع حياتهم وما يدور فيها، كوقود لأبحاثهم. ولكن استعانت الدكتوره كيت سويني ببعض تجاربها الحياتية، كأساس للدراسات النفسية التي تجريها. ومن بين النتائج المفاجئة التي كشفت عنها ؛ أن القلق يمكن أن يكون مفيدا للمرء، خلال مروره بمجموعة من المواقف المتنوعة، بدءا بانتظاره لنتائج اختبار ما، إلى اتخاذه إجراءات لحماية صحته .

 

وهناك أنواع مختلفة للقلق. حيث تباين العلماء في تعريفهم للقلق، فبعضهم وصفه بتعبيرات محايدة، بينما اختار آخرون اللجوء لمصطلحات ذات طابع سلبي . ومن بين من استخدموا التعريفات ذات الصبغة المحايدة؛ علماء النفس الذين يدرسون ظاهرة التغير المناخي، إذ وصفوا القلق بأنه حالة شعورية تحفز المرء على اتخاذ استجابات سلوكية، تستهدف خفض التهديد الذي يتعرض له. وما يميز القلق عن الشعور بالتخوف بشكل عام، هو الطبيعة العاطفية للنوع الأخير، وحقيقة أنه يهيئ الناس للتغيير. أما من استعانوا بمصطلحات سلبية، للحديث عن القلق، فهم أولئك العلماء الذين عرّفوه بأنه تجربة شعورية، تنطوي على أفكار مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل . وبينما لا يمكن لأحد إنكار الأضرار المتعددة الناجمة عن هذا الشعور.

 

ويرتبط شعور المرء بمستويات عالية من القلق، بمعاناته من ضعف الصحة البدنية والذهنية، وذلك لأسباب متنوعة للغاية، قد تتراوح ما بين نومه بشكل متقطع مثلا، ومحاولته المستميتة لتجنب الخضوع لفحوص قد تكشف عن إصابته بالسرطان مثلا .

 

ويقول الدكتور إدوارد وتكينز، عالم النفس والباحث في اضطرابات الحالة المزاجية في جامعة إكستر البريطانية انه من المرجح أن يكون ذاك النوع من القلق الذي يسود على نطاق واسع لأسباب مختلفة ومتنوعة، غير مفيد وذا طابع إشكالي، إذا ما قورن بالقلق الذي يتركز على مشكلة محددة ومنفصلة بوضوح عن غيرها.

 

ارتبط الشعور بنوع من “القلق البناء” بشأن حرائق الغابات في استراليا، باتخاذ إجراءات عملية من شأنها، التحضير الجيد للتعامل مع هذه الحرائق عند اندلاعها. ووجد الباحثون في الولايات الاسترالية المعرضة لأن تشهد حرائق غابات أكثر من غيرها، أن الشعور بضرب من “القلق البناء”، ترافق مع التحضير بشكل أفضل لمواجهة هذا النوع من الحرائق. وكشفت إحدى الدراسات النقاب، عن أن وجود شعور بالقلق لدى المرء إزاء مسألة التغير المناخي، شكّل المؤشر الأقوى من نوعه، الذي ميّز المؤيدين للسياسات الرامية لمواجهة هذه الظاهرة، وهو ما يعني أنه قد يكون من المجدي، أن يسعى أنصار حماية البيئة، لإثارة قلق الناس حيال وضعها الراهن، بدلا من أن يعملوا على أن يثيروا مخاوفهم في هذا الصدد. فالقلق قد يجعل من يشعرون به، أكثر قدرة على التعامل مع الظروف المحيطة بهم وما يمكن أن يحدث في المستقبل، لا على اجترار الماضي.

 

ويستعرض الدكتور ادوارد وتكينز ثلاث آليات رئيسية، يمكن للقلق أن يُحدِث أثره:

= أولاها أن الإحساس بهذا الشعور حيال أمر من الأمور، يزيد من إمكانية أن يفكر المرء في الأسباب، التي تحدو به لاتخاذ إجراء إزاءه، ويعزز من دوافعه، للقيام بشيء ملموس .

= والثانية في أن الشعور بالقلق، يشكل عاملا يُذكِّر من يحس به بضرورة الإقدام على أشياء بعينها، نظرا لأن الإحساس بالتخوف من شيء ما أو الشعور بعدم اليقين بشأنه، يلح على الذهن للتأكد من أننا نحاول التعامل مع الأمر ومعالجته.

= والثالثة، فتكمن في أن القلق يمكن أن يتضمن في طياته، أمورا مثل القيام بتحضيرات جدية، والتخطيط وحل المشكلات كذلك.

 

وتقول الدكتوره كيت سويني إن للقلق غرضا ووظيفة، مثله مثل أي عاطفة أو شعور، يراود المرء. فهو يمثل إشارة توجهنا في الأساس صوب شيء ما، ربما يكون في الطريق إلينا، ويلفت انتباهنا له. كما أنه يحفزنا على التحرك لمنع حدوث ذلك الشيء السيء، أو يجعلنا على الأقل على أهبة الاستعداد للتعامل معه . ويبدو أن الدراسات التي أُجريت بشأن وباء كورونا في مراحله المبكرة، تؤكد هذا الأمر. فقد أظهرت دراسة تناولت مدى إدراك سكان 10 من دول العالم للخطر الكامن في هذا الوباء، وهو الشعور بالقلق بشأنه. وقد قيّم الباحثون القائمون على هذه الدراسة، مستوى إدراك أفراد العينة لخطر الفيروس، من خلال مقاييس من بينها، طرح أسئلة عليهم للتعرف على مستوى قلقهم حيال (كوفيد 19). وأظهرت النتائج وجود ارتباط قوي، بين تزايد إدراك المرء للمخاطر المترتبة على تفشي الوباء، واتخاذه إجراءات صحية وقائية، مثل غسل اليديْن وارتداء كمامات الوجه، والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي.

 

يمثل الغموض الذي يكتنف وباء كورونا ومداه الزمني المحتمل، أحد الأسباب التي تجعل منه مشكلة تستنزفنا بشدة عاطفيا. فمن الأيسر على المرء الشعور بـ “القلق البناء”، إذا كان الأمر يتعلق بحدث ذي إطار زمني واضح. وبطبيعة الحال، ربما يشعر الكثيرون بالقلق لأسباب وجيهة، تتعلق بتعاملهم مع قوى لا يستطيعون التحكم فيها. وتستعرض الدكتوره كيت سويني هنا عملية مؤلفة من ثلاث خطوات، يجري في غمارها، تحويل مشاعر القلق إلى إجراءات عملية ملموسة، وتوجيه هذا الشعور في الاتجاه الصحيح، إذا لزم الأمر كالاتى:

 

= حدد طبيعة القلق الذي يساورك.

= استعرض في ذهنك قائمة بالخطوات التي يُحتمل أن تقوم بها للتعامل مع هذه المشكلة.

= إذا كنت قد اتخذت كل التدابير الممكنة في هذا الصدد، فلتحاول أن تنغمس في إحدى الحالات العقلية التي تقلل التوتر، مثل اليقظة والوعي التام.

 

ورغم أن حالة “اليقظة والوعي التام” ترتبط عادة بجني المرء الكثير من الفوائد المرتبطة بالشعور بالسعادة والسلامة النفسية والاجتماعية، فإن الأمر كان مختلفا في الدراسة التي أجرتها الدكتوره كيت سويني على شرائح من الصينيين، إذ تبين أن تلك الحالة اقترنت بالشعور بقدر أكبر من الوحدة، وبتقلص الأنشطة الصحية التي يمارسها الصينيين. وترى الدكتوره كيت سويني أن ذلك يعود إلى أن الانغماس في حالة القلق يوفر للمرء “عنصر إلهاء متميزا”، ما يجعل الوقت يمر بسرعة. أما حالة “اليقظة”، فتجبر من يمر بها، على الاهتمام والانتباه لحالة “الغموض واللا يقين” التي تحيط به .

 

فربما تفيد من يشعرون بالقلق، إزاء المخاطر التي تكتنف عودتهم إلى أماكن عملهم، للقيام بمهامهم الوظيفية من هناك كالمعتاد. فبدلا من أن يركز هؤلاء على التفكير في ما الذي يمكن أن يمضي في الاتجاه الخاطئ حينما يُقْدِمون على هذه الخطوة، يجدر بهم وضع خطة مفصلة، بشأن كيفية تقليص أي خطر قد يواجهونه خلال التوجه إلى مقر العمل والعودة منه. ويقول الدكتور إدوارد وتكينز سيساعدهم الخيار الثاني على التحضير والتخطيط لمواجهة أي احتمال، وعلى أن يشعروا بأنهم مسيطرون بشكل أكبر على الموقف، أما الأول فسيقودهم إلى الشعور بمزيد من المخاوف الكارثية، وتصاعد القلق الذي يدور في نفوسهم.

 

وتتضمن التوصيات، المستقاة من نصائح الدكتور إدوارد وتكينز ومن الدراسات التي أجراها علماء نفس آخرون، أهمية أن يحافظ المرء على نوع ما من الروتين في حياته وتعاملاته، وضرورة أن يتواصل مع أحبائه بشكل دوري للاطمئنان عليهم، وأن يجد كذلك سبلا من شأنها، تحويل مشاعر القلق التي تساوره، إلى شعور بالاهتمام الذي يتسم بالتعاطف مع الآخرين.

 

وهناك عادات لتهدئة العقل والتخفيف من القلق. ووفقًا لجمعية القلق والاكتئاب الأمريكية، يعاني أكثر من 6.8 مليار بالغ من القلق المفرط، ما يجعله من أكثر الحالات شيوعاً حول العالم، ولكن الخبر السار بأنه يمكن علاج القلق المفرط بسهولة، قبل أن يتحول إلى مخاوف خارجة عن السيطرة تعيق الحياه . والطرق الفعالة لتهدئة عقلك وجعل مخاوفك أقل إرهاقًا ويمكنها أن تساعدك هى :

 

= عندما تجلس وتحدق في أربعة جدران لفترة طويلة، فسيؤثر ذلك على صحتك العقلية. أما إبقاء نفسك مشغولة فهي الوسيلة الصحية للحفاظ على نفسك من القلق المفرط.

= استخدام التأمل هو المفتاح للتخلص من كل التوتر والسلبية التي تتراكم خلال اليوم.

= الرياضه تجعل الجسم يتحرك، وسترى الفوائد فوراً، حيث يؤدي الإفراط في إنتاج الهرمونات مثل الكورتيزول إلى تحفيز استجابة القتال أو الهروب في جسمك، وممارسة التمارين سيساعد على انخفاض مستويات الكورتيزول لديك، كما سيعزز من إفراز المواد الكيميائية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين وبالتالي ستستعيد توازنك وإيجابيتك.

= إذا كنت تريد الحفاظ على صحة دماغك، فأنت بحاجة إلى مراقبة ما تأكل، فأنت بحاجة إلى أغذية غنية بالأوميغا 3 والفيتامينات والمعادن المقاومة للأمراض.
= اختار أصدقاءك بحكمة إذا كنت تعانى من القلق باستمرار، فمصادقة الأشخاص السلبين تؤثر على عمليات تفكيرك وتجعلك أكثر تشاؤمًا.

= بدلاً من الهروب من مشاكلك، يمكنك تهدئة عقلك من خلال مواجه المشكله وجهاً لوجه. لتكون استباقا وتوصل إلى حل بدلاً من تجاهلها، ولكن تجنب المشكله ستصبح أرضاً خصبة للقلق المفرط.

= وضع خطة عمل واكتب قائمة بالأشياء التي يمكنك القيام بها وستشعر بتحسن.

= احرصي على انتقاء ما تشاهد أو تقرأء

= عندما لا تستطيع التخلص من القلق، يجب أن تجرب كتابة اليوميات.

= عندما تبدأ في التحدث إلى نفسك بتأكيدات إيجابية، فإن ذلك سيغير طريقة تفكيرك.

= الحصول على جلسه مساج فمع تدليل النفس فسيسهل التخلص من القلق .

= احصل على قسط كافٍ من الراحة وإذا كان هناك اضطراب أساسي في النوم فعليك طلب المساعدة.

= يحب الخروج والمشي، بينما يفضل البعض الآخر تناول مشروب مثلج والجلوس بجوار المكيف.

= الاستماع إلى الموسيقى هي طريقة ممتازة لتهدئة نفسك، إذ يعد العلاج بالموسيقى تقنية مستخدمة على نطاق واسع ومثبتة طبياً.

= تجنب الكافيين حيث يمكن أن يسرع قلبك ويزيد من القلق. لذا تجنب مشروبات الكافيين.

= يواجه الناس القلق بسبب الأفكار السلبية التي يتخيلون حدوثها، حاول أن تنظر إلى المشكلة أو الحدث بطريقة إيجابية، ففي العادة تكون الأفكار السلبية مبنية على أوهام.

= تقبل فكرة أنك غير قادر على التحكم في كل شيء، ولا يجب عليك أن تتحكم في كل شيء في حياتك، وأطلق سراح مخاوفك وتحكم في عواطفك على نحو أفضل، وركز على الأشياء الواقعة تحت سيطرتك، وعالج الأمور خطوة بخطوة، فيساعدك على التخفيف من الانزعاج والقلق.