د محمد حافظ ابراهيم
فرضت الجائحة نفسها على حياة البشر عمليا و تعليميا ، فغيرت وبدلت، لكن التغيير الأكثر بروزًا هو الذي طال مستقبل الملايين من الطلاب في العالم، إذ صار التعليم عن بعد هو الخيار المتاح، والذي يبدو أنه ليس ناجحًا حتى الساعة. حيث يبدو أن لا لقاح قريبًا لكورونا، ويبدو أن التعليم عن بعد لن يكون خيارًا بين خيارات، إذ ربما يكون خيارنا الوحيد لتعليم أولادنا، كي لا يفقدوا سنةً من أعمارهم، إن لم يكن أكثر.
كيف تقيم التعليم عن بُعد في مواجهة كورونا : قال 77 في المائة ممن شاركوا في استفتاء ان التعليم عن بعد نظام فاشل، في مقابل 23 في المائة قالوا إنه ناجح.
للفشل أسبابه : هناك ثلاثة أسباب للفشل الذي يلاقيه التعليم عن بعد اليوم، تفندها لينا فرنسيس مديرة مدرسة دوليه في لبنان، وهي الأولى التي اعتمدت المنهج الفنلندي في التعليم الأول متعلق بالهيئة التعليمية التي لم تكن مستعدة لمسألة التعليم عن بعد حين فاجأتنا كورونا، فهذه الهيئة التعليمية لم تتلقَ التدريب اللازم كي يعمل الأستاذ بطريقة فاعلة، وكي يستفيد من التقانة الجديدة المتاحة في مجال التعليم، مثل أغلبية العاملين في الحقل التعليمي في العالم العربي، حيث التعليم عن بعد لم يكن خيارًا مطروحًا، لا تتقن طريقتي التعليم المتزامن (synchronous) أي التفاعلي الحاصل في الزمن الحقيقي لعملية التعليم، وغير المتزامن أي الذي لا يحصل بالضرورة في الزمن نفسه .
الثاني متعلق بالأهالي ووجودهم الدائم لمراقبة أولادهم : ففي الفئة العمرية تحت ثمانية أعوام، التعلم عن بعد يستدعي وجود الأهالي إلى جانب أطفالهم، لكن في حالة الوالدين العاملين هذا يبدو صعبًا، وبالتالي يؤثر على قدرة التلاميذ على مجاراة المناهج التعليمية المقدمة عن بعد .
السبب الثالث فمتعلق بالتلاميذ أنفسهم : ففي الفئة العمرية الأكبر، ثمة مسألة التسرب المدرسي الافتراضي إن لم يكن إشراف الأهل موجودًا في كل الأوقات، والأستاذ لم يعد قادرًا على فرض هيبته والتحكم بصفه، إضافة إلى أن التلاميذ يفقدون اهتمامهم بالمادة . يضاف إلى كل ذلك أن البنية التحتية اللازمة للتعليم عن بعد غير متاحة، في أغلبية الدول العربية .
التفاعل بين المعلم والتلميذ مفقود : ان التعليم عن بعد ألغى ما يسمى التعلم الاجتماعي والعاطفي وهو الذي يؤمن التفاعل بين المعلم والتلميذ كما بين التلاميذ أنفسهم، ويتيح لهما فرصة التعارف التي تعمق الصلة بينهما، ويسهل عملية تلقي التلميذ المعلومة من معلمه. فاليوم، في أغلبية الحالات، لا يعرف الأستاذ تلاميذه، فهو إن رآهم، يراهم من خلال الشاشة لا أكثر، خصوصًا مع استئناف الدراسة في سنة دراسية جديدة .
ففي لبنان، الوضع في بداية العام الدراسي الجديد أفضل مما كان عليه في العام الماضي. حيث ان المدارس تسلحت بجهوزية أكبر في التعليم عن بعد ، كما تحضرت الهيئة التعليمية من خلال دورات تدريبية مكثفة خضع لها المعلمون والمعلمات في الصيف . إلى ذلك، لقي الأمر قبولًا عند الأهالي، وتفهموا الأمر أكثر، لأنه صار أمرًا واقعًا . إلا أن المدارس الحكومية تواجه الكثير من الصعوبات في هذا المجال، خصوصًا من الناحية الاقتصادية، لأن تأمين مستلزمات التعليم عن بعد مسألة مكلفة تتخطى قدرات الأهالي.
هناك نجاح في مكان ما : ترى فرنسيس أن ثمة تجارب نجحت في التعليم عن بعد وهي التجارب المعمول بها في دول اعتادت هذا النوع من التعليم، حتى من قبل أزمة كورونا والحجر الذي فرضته الجائحة، مثل الولايات المتحدة وكندا وبعض دول أوروبا، حيث خيار التعليم عن بعد متاح، إلى جانب التعليم الحضوري، خلافًا لدول العالم العربي حيث لم يكن هذا الأمر مطروحًا، لذا لم تصمم المناهج العربية لتلائم هذه الطريقة في التلقين ، لافتةً إلى تجربتين عربيتين حديثتين، في الأردن والإمارات، لتعليم اللغة العربية عن بعد .
لإنجاح هذه التجربة : ما دام التعليم عن بعد سيطول، حتى لو عاد التلاميذ إلى مدارسهم، تضع فرنسيس بعض الخطوط العريضة التي تحدد مسار هذه الطريقة في المستقبل. تقول إن على المؤسسات التربوية أن تعتمد المناهج المرنة، خصوصًا في برنامج التعليم مع ضرورة الموازنة بين طريقتي التعليم المتزامن وغير المتزامن، وتمرين المعلمات والمعلمين على الطرق الجديدة في التلقين والتعليم، التي تقوم على تقديم المعلومة بصيغة سهلة سريعة الفهم، لا تستغرق وقتًا طويلًا في شرحها، كي لا يفقد التلميذ اهتمامه بالمادة التي يتلقاها، وعلى جذب اهتمام التلاميذ بشكل دائم، وتحفيزهم على المشاركة .
وعلى المؤسسات التعليمية تسليح هيئاتها التعليمية بمزيج من الوسائل والمصادر التعليمية التفاعلية، وتعميم فكرة قياس الاستجابة بشكل مستمر، واعتماد مقاربة تفرض تعاون الثلاثي التعليمي، أي الأستاذ والتلميذ والأهل .



