أخبارعام

ثورة يوليو ومشكلة الملفات غير المفتوحة

بقلم /عبدالله حموده

يعيش شعبنا المصري اليوم الذكرى السادسة والستين لثورة 23 يوليو 1952، بكل ما حملته من تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية هائلة، تخطت حدود مصر إلى المنطقة العربية كلها، وما وراءها. لكن كثيرين بيننا ما زالوا ينكرون عنها صفة “الثورة”. ومن المثير للدهشة، أنه بين هؤلاء الناكرين من استفاد من مكتسبات الحدث الكبير، وما كانوا ليتلقوا التعليم الذي يؤهلهم الآن للنيل منها، لولا الفرص التي أتيحت لهم في ظل نظام حكمها!

ورغم مرور تلك السنوات الست والستين، وبأغلبية زمن ثلثي قرن من الزمن، مازال الجدل محتدما، حول ما إذا كانت “الحركة المباركة” حملت في طياتها شيئا من البركة. وبطبيعة الحال، فإن السبب الرئيسي في ذلك، مرجعه سجل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لحكم ما بعد عام 1952 – الذي خلق لها خصوما منذ أيامها الأولى – وما تبعه من تحولات معاكسة بعد عام 1970، تجذرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وهيأت الظروف ل “أحداث يناير” عام 2011، التي يتواصل الجدل حول ما إذا كانت “ثورة” – أيضا – أو “مؤامرة”. كما أن صفة ال”مؤامرة” ظلت تتردد – على مدى السنوات الست والستين – بالنسبة لتوصيف ثورة يوليو، زعما بأنها حدثت في إطار تعديلات تكميلية، في بنية النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، خسرت فيه قوى دولية كبرى صفة “العظمى” – مثل بريطانيا وفرنسا – واقتصر استحقاق هذه الصفة على الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي – حتى انهياره عام 1991.

تكمن المشكلة في فرض الجدلية على كل منجزات ثورة يوليو؛ فالإصلاح الزراعي أصبح تفتيتا للملكية، وسببا لنقص الإنتاجية. والتأميم لم يكن – في رأي الخصوم – إلا تبديدا للأصول الاقتصادية، ومحاربة للاستثمار. وحتى بناء السد العالي، كان حرمانا للأرض الزراعية من الطمي. وبطبيعة الحال، فإن من يكره لا يرى في أي شيء إلا ما يعيبه. والأكثر غرابة، أن أقسى الضربات لمنجزات ثورة يوليو، جاءت من بعض المحسوبين عليها أصلا. فبدا الأمر وكأنه قضية من “الجدل الهيجلي”، حملت نقيضها في طياتها.

وفي ضوء هذا كله، وبينما يطالب البعض بعدم التعجل في التقييم، تسود خشية – مبررة – لدى البعض من أن يجف حبر قلم التسجيل، وتفقد الأوراق رونقها، وتتعذر كتابة التاريخ من منظور مصري.

وفي الوقت الذي أسهبت فيه أقلام غيرنا، في كتابة صفحات مطولة من تصوراتهم لما جرى عندنا، دون إسهام منا فيه. وكأننا أوكلنا مهمة تسجيل تاريخنا للآخرين، وأصبح المتميزون منا هم الذين ينقلون عنهم، ما كتبوه عنا.

وكلما تصدى باحث مصري، لدراسة حدث ذي أهمية في تاريخ بلاده، يتعذر عليه الحصول على وثائق وطنية عن ذلك الحدث، ولا يجد خيارا أمامه، سوى اللجوء إلى دور الوثائق (الأرشيف الوطني) في عواصم دول أخرى؛ أشهرها – وأكثرها اعتمادا – لندن وواشنطن وباريس وبرلين وموسكو. حتى وإن كان توثيق الحدث تم من وجهة النظر السياسية للدولة صاحبة الأرشيف ورؤيتها. وللأسف الشديد، فإن ما ترفع عنه السرية من وثائق، يتضمن الكثير من أسباب دهشتنا، ليس فقط بما يوضحه لنا من رؤى، ولكن – أيضا – لأنه يثير لدينا تساؤلات، حول سبب حجب معلومات تخصنا عنا، من جانبنا نحن، ومن هو صاحب المصلحة في ذلك. وما إذا كان هذا الذي يحجب المعلومات – لأي سبب كان – يفرض وصاية على عقولنا، ويجعلنا في مأزق الحصول على معلومات – ربما – تكون ناقصة أو مغلوطة. ولا يكون أمام المدقق منا، إلا مقارنة معلومات وثائق أرشيف أجنبي، بمعلومات وثائق أرشيف أجنبي آخر.

وفي الختام، هناك نقطتان:

الأولى: إذا كنا نريد رأب صدع الانقسامات في صفوفنا، وحسم الجدل حول الأحداث النهمة في تاريخنا، فليس علينا إلا الانفتاح على بعضنا البعض. والثانية: هي أن فتح ملفات الوثائق – بعد فترة من الزمن، مراعاة لمقتضيات الأمن القومي – هو حق مشروع، في ظل تشريعات حرية المعلومات. والأهم من ذلك كله؛ هو أنه يحفظ الذاكرة الوطنية لدى المصريين، ويمكنهم من التصالح مع أنفسهم وواقعهم، وتفادي أخطاء الماضي وتداعياتها.

احوال مصر