أخباراقتصاد عربي

مناقشة التجربة الصينية وفكر شي جين بينغ في القاهرة

كتب فتحي السايح وسارة احسان

القاهرة، 22 ديسمبر 2025

أقامت مجلة ((الصين اليوم)) صالون “فكر شي جين بينغ.. للصين والعالم” في القاهرة، بمشاركة نخبة من الخبراء والباحثين من الصين ومصر والدول العربية، ناقشوا خلال جلستين التجربة التنموية الصينية على مستوى المفاهيم والمؤسسات والممارسة العملية، وانعكاس ذلك على العلاقات الصينية- المصرية التي تحل الذكرى السنوية السبعين لها في عام 2026.

وفي كلمتها الافتتاحية للصالون، قالت تشاو لي جيون، مديرة دار ((الصين اليوم))، إن الصين ومصر، بوصفهما من أعرق الحضارات الإنسانية، تمتلكان تاريخا طويلا وتقاليد فكرية عميقة. وعلى مدى عقود، تشابهت مواقف الجانبين وتقاربت رؤاهما في معارضة الهيمنة وصون المصالح المشتركة للدول النامية وتعزيز الحوار والتبادل بين الحضارات. وتُظهر التجربة التنموية الصينية أن التحديث ليس له نموذج واحد حصري، وأن مختلف الحضارات والدول قادرة، في إطار الاحترام المتبادل والتعلّم المتبادل، على استكشاف مسارات تنموية تتلاءم مع ظروفها الوطنية. وهذا المفهوم ينسجم إلى حد بعيد مع تطلعات الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، إلى الاستقلال الذاتي وتحقيق النهضة والتنمية.

في الجلسة الأولى التي حملت عنوان ((إضاءات الفكر.. الحكمة الصينية لتعزيز التنمية المشتركة))، قال حسين إسماعيل، نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة ((الصين اليوم)) الذي أدار الجلسة، إن فكر شي جين بينغ يتميز بالتماسك والاستمرارية والابتكار، واستنباط الحل من المشكلة، ومقاربة الواقع استنادا إلى الخبرات التاريخية وتجارب الآخرين، مع قدرة كبيرة على التكيف والتعديل. واستعرضت الدكتورة خديجة عرفة، رئيسة الإدارة المركزية للتواصل المجتمعي بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، الانعكاسات الإستراتيجية لفكر الرئيس الصيني شي جين بينغ حول الحكم والإدارة. وقالت إنه على مدار عقود قدّمت الصين رؤيتها الخاصة وفقا لنموذجها الخاص بالتنمية والحكم، وفي ظل ما حققته الصين من نجاحات في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، انتقلت الصين من التوطين إلى العولمة، عبر طرح العديد من الرؤى الشاملة بشأن حل المشكلات العالمية.

وأوضح الأستاذ أحمد سلام، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن العلاقات المصرية– الصينية تمثل نموذجا لتطبيق فلسفة “المستقبل المشترك”، إذ تتبنى كلتا الدولتين رؤية تنموية مستقلة قائمة على الإصلاح الداخلي والانفتاح الواعي على الخارج، مع احترام مبدأ “عدم الانحياز”، ودعم التعددية وتعاون الجنوب– الجنوب. ويعكس هذا التلاقي أن “العصر الجديد” في الصين يقابله في مصر مفهوم “الجمهورية الجديدة”، الذي يعكس تحول الوعي السياسي والإداري نحو بناء الدولة الحديثة، التخطيط العلمي، القيادة الإصلاحية، واستعادة الدور الحضاري في محيط متغير.

أما الدكتورة رنا محمد عبد العال مزيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية، فألقت الضوء على كيفية تحوّل الخطاب السياسي الصيني من براغماتية اقتصادية إلى رؤية أيديولوجية شاملة، تربط بين الدولة والمجتمع والطبيعة والعالم، وتعيد طرح الصين كقوة حضارية تقدم بديلا مفاهيميا عن النماذج الغربية المهيمنة. وقال الدكتور ضياء حلمي، عضو لجنة آسيا بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، إن التجربة الصينية المعاصرة في الحكم والادارة تجربة ثرية وعميقة وجديرة بأن تكون مثلا يحتذى بحق. وأشار إلى مبادرة “الحزام والطريق”، التي اعتبرها هدية الصين للعالم.

وفي الجلسة الثانية بعنوان ((حوكمة الصين.. الأسس الثقافية والرؤية العالمية لفكر شي جين بينغ))، تناول الدكتور ناصر عبد العال، رئيس معهد كونفوشيوس في جامعة عين شمس إنه في ظل هذه الظروف التي يشهدها العالم والتي تتسم بعدم الثقة في نظام عالمي سيطرت عليه الدول الغربية الغنية ، التي تحرص على تحقيق مصالحها فقط ، وتحديدا في نهاية القرن العشرين بدأ نجم العملاق الصيني في البزوغ في شرق العالم محققا طفرة اقتصادية وتكنولوجية غير مسبوقة في تاريخه ، الأمر الذي جعل دول الجنوب العالمي توجه أنظارها ناحية الشرق ، وتتابع باهتمام كبير صعود الصين ، وتترقب ماذا سيحدث في العالم ، هل تظل منظومة القيم الحاكمة غير العادلة تتحكم في النظام العالمي ، أم أن صعود الصين قد يغيير من المعادلة؟ وفي هذا المنعطف من التاريخ، وجدت الصين التي حققت التقدم الاقتصادي والتكنولوجي أن تشارك دول العالم في مسيرة التطور الطبيعي للتاريخ والذي يتوافق مع رغبة الشعوب في تحقيق التقدم والرفاهية من خلال الاستقرار والأمن والسلام والتنمية، فقدمت رؤيتها لعالم جديد يسوده الاستقرار والأمن والسلام، والتنمية، والعدالة، والإنصاف. تجلى ذلك في فكر الرئيس الصيني وزعيم الحزب الشيوعي شي جينبينغ، هذا الحزب الذي قاد الصين إلى مرحلة جديدة تؤكد على أن التطور الطبيعي لحركة التاريخ تميل إلى تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف. يقول شي متحدثا عن الحزب إن ” الحزب الشيوعي الصيني حزبٌ يسعى إلى سعادة الشعب الصيني ونهضة الأمة الصينية، ويسعى إلى تقدم البشرية وانسجام العالم.”

وقالت الدكتورة رشا كمال، وكيلة كلية اللغات والترجمة بجامعة بدر في القاهرة، إن حوكمة الصين مبادئ الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتواصل القيادة الثابتة للحزب الشيوعي الصيني مع فكر الرئيس الصين شي جين بينغ، تبنى مفهوم الحوكمة الذي يركز على الشعب، مما شكل نظام حوكمة فعالًا وشاملًا. و يلحظ الجميع أن الحكومة الصينية تولي أهمية كبيرة لسيادة القانون وإدارة البلاد وفقًا للدستور والقوانين مع مكافحة الفساد، وتواصل تعزيز تحديث نظام الحوكمة وقدرات الحوكمة. فتحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ووفقا لأسس فكر الزعيم الصيني “شي”، حققت الصين إنجازات ملحوظة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والثقافي مع تحسين مستوى معيشة الشعب، وهو ما حظي باعتراف واسع من المجتمع الدولي. مع تطمينات من مواصلة الصين السير على طريق التنمية السلمية، وتكريس جهودها لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.

وقالت الدكتورة شيماء كمال، رئيسة قسم اللغة الصينية بجامعة بدر في القاهرة، إن الصين تحظى بدعم دول الجنوب العالمي، كونها تسعى إلى جعل صوت هذه الدول مسموعا ولها دور في صياغة المعايير الدولية، مستشهدة بتصريحات لرئيس جنوب أفريقيا ورئيس البرازيل.

وتحدث الدكتور حسانين فهمي حسين، رئيس قسم اللغة الصينية بجامعة عين شمس، عن إشكاليات الترجمة في الكتب الصينية، مشيرا إلى وجود أكثر من ثلاثين قسما للغة الصينية في الجامعات المصرية، والدور الذي ينهض به المترجمون المصريون في نقل وتبسيط الفكر الصيني للقراء العرب، والمصريين على وجه الخصوص.

وقال الدكتور حسن رجب، عميد كلية الألسن بجامعة قناة السويس، إن مشروع شي جين بينغ لا يقدم نموذجا أيديولوجيا مغلقا، ولا يسعى إلى استبدال هيمنة بهيمنة أخرى، بل يطرح رؤية بديلة لإعادة التفكير في أسس الحوكمة العالمية. رؤية تنطلق من أن العالم لا يحتاج إلى مركز واحد، ولا إلى صدام قيم، بل إلى تعددية حضارية تُدار بالتعاون والتنمية والاحترام المتبادل.إن صعود الصين، في هذا السياق، ليس مجرد حدث في ميزان القوة، بل تحوّل في منطق الشرعية الدولية ذاته: من الهيمنة إلى الشراكة، ومن التفوق إلى الانسجام، ومن الصراع إلى المصير المشترك. وهنا تكمن أهمية فهم الفكر الصيني لا بوصفه خطابًا سياسيا آنيا، بل باعتباره مشروعا حضاريا يسعى إلى إعادة وصل السياسة بالأخلاق، والتنمية بالثقافة، والسلطة بالمسؤولية.

وقدم الدكتور علاء أبو السعود، المشرف على قسم اللغة الصينية في جامعة أسيوط، مفهوم الحوكمة الصينية مشيرا إلى أن الصين تضع الإنسان في المقام الأول في كاقة سياساتها، وأنها تقدم رؤية شاملة للحوكمة، استنادا إلى ثقافتها وفلسفتها المتواصلة.

ومن جانبها استعرضت الدكتورة إيمان مجدي الجينات الثقافية الصينية في العصر الجديد، وجذور المصطلحات المستخدمة في الفكر الصيني ودلالاتها الفلسفية، ومنها مفاهيم مثل الرحمة والسلام والمصير المشترك.

وتضمنت الفعالية معرض صور حول التبت بعنوان ((الصين المتألقة.. شيتسانغ تزهو بثقافتها))، قدم مشاهد حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستوى معيشة السكان في منطقة شيتسانغ الذاتية الحكم، بما يعكس تمسّك الصين بنهج التنمية المتمحور حول الإنسان، من أجل إلقاء الضوء على سياسة الصين تجاه التنمية في مناطق الأقليات القومية فيها.