نتائج “سي آي كابيتال” تكشف ضغوطًا استثنائية على الربحية
في ظل ارتفاع تكلفة التمويل وتباطؤ السيولة

ايه حسين
تشير مع استمرار توازن نسبي بفضل إدارة الأصول وتنوع الأنشطة
القوائم المالية المجمعة لشركة سي آي كابيتال عن الفترة المنتهية في 30 سبتمبر 2025 إلى أن الشركة واجهت عامًا استثنائيًا من الضغوط، اتسم بارتفاع تكلفة التمويل وتراجع الهوامش التشغيلية وزيادة المخصصات، في الوقت الذي تمكنت فيه بعض قطاعات المجموعة من الإبقاء على مستوى مقبول من الأداء، وفي مقدمتها إدارة الأصول والأنشطة الاستثمارية. ويأتي هذا الأداء في سياق اقتصادي صعب، تميز بسياسات نقدية مشددة، وارتفاع كبير في أسعار الفائدة، وتباطؤ في حركة السوق المالية، وانخفاض في شهية المخاطرة، وهي ظروف انعكست بوضوح على معظم الأنشطة المالية غير المصرفية في السوق المصري.
أولاً: الارتفاع الكبير في تكلفة التمويل… العامل الأكثر ضغطًا على النتائج
يُعد بند تكلفة التمويل أكبر عنصر ضغط على نتائج “سي آي كابيتال” خلال العام، إذ أظهرت القوائم المجمعة ارتفاعًا كبيرًا في الفوائد البنكية، لتصل إلى 82.9 مليون جنيه خلال التسعة أشهر الأولى من 2025، مقارنة بـ 59.9 مليون جنيه في نهاية 2024، أي بزيادة قاربت 38% خلال عام واحد فقط.
هذه الزيادة لم تكن مجرد انعكاس مباشر لارتفاع أسعار الفائدة في السوق فحسب، بل جاءت نتيجة تداخل عدة عوامل:
زيادة اعتماد المجموعة على الاقتراض قصير ومتوسط الأجل لتمويل توسع الأنشطة التشغيلية ورأس المال العامل.
تراجع التدفقات النقدية التشغيلية بسبب تباطؤ التحصيل وارتفاع المخصصات.
تأثير مباشر للدورة النقدية المتشددة التي رفعت تكلفة الاقتراض بشكل عام في السوق المصري.
ورغم أن إيرادات بعض القطاعات ظلت مستقرة نسبيًا، إلا أن الزيادة الكبيرة في المصروفات التمويلية استهلكت جزءًا كبيرًا من الربحية، وأعادت تشكيل هيكل التكلفة داخل المجموعة.
ثانيًا: تراجع الهوامش التشغيلية في الأنشطة الأساسية
أظهرت قائمة المصروفات العمومية والإدارية ارتفاعًا واضحًا في التكلفة التشغيلية، إذ بلغ إجمالي تلك المصروفات عن الفترة المنتهية في 30 سبتمبر 2025 نحو 377.4 مليون جنيه مقابل 321.1 مليون جنيه في الفترة المقارنة من 2024، بزيادة 56.3 مليون جنيه.
البنود التي سجلت أكبر ارتفاع شملت:
بند الأجور والمرتبات والمكافآت.
مصروفات الخدمات الفنية والإدارية.
مصروفات التكنولوجيا والتحول الرقمي.
مصروفات التسويق والدعم.
وقد جاءت هذه الزيادة في وقت لم تتمكن فيه معظم الأنشطة من تحقيق نمو مماثل في الإيرادات، وهو ما أدى إلى تراجع الربح التشغيلي وزيادة الضغط على الهوامش، خاصة في:
التمويل متناهي الصغر
التمويل الاستهلاكي
التأجير التمويلي
وهي أنشطة تعتمد بصورة مباشرة على فروق أسعار الفائدة، مما يجعلها شديدة الحساسية للزيادات الكبيرة في تكلفة الاقتراض.
ثالثًا: زيادة المخصصات تعكس ارتفاع المخاطر الائتمانية
كشفت القوائم المالية كذلك عن ارتفاع كبير في رصيد المخصصات الائتمانية، إذ بلغ رصيد مخصص المطالبات في نهاية سبتمبر 2025 نحو:
1.45 مليار جنيه
مقابل
1.29 مليار جنيه في بداية العام.
بزيادة صافية تقارب 160 مليون جنيه في أقل من تسعة أشهر.
وتوضح الجداول أن “المستخدم خلال الفترة” وصل إلى (98.2 مليون جنيه)، ما يعني أن المجموعة استخدمت من المخصصات ما يعكس زيادة فعلية في حالات التعثر أو ضعف الجدارة الائتمانية لدى العملاء.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الزيادة ليست عَرَضية، بل تعكس:
ضغوطًا على شريحة العملاء في ظل ارتفاع أسعار الفائدة.
تراجعًا نسبيًا في قدرة بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة على السداد.
تعاملًا أكثر تحفظًا من الإدارة في ظل تطبيق معايير IFRS 9.
وبهذا يمثل بند المخصصات أحد أكبر البنود التي أثرت على النتائج المجمعة خلال الفترة.
رابعًا: تباطؤ التدفقات النقدية التشغيلية وزيادة الحاجة إلى التمويل
تكشف القوائم أيضًا عن وجود ضعف واضح في التدفقات النقدية التشغيلية، وهو ما انعكس في شكل زيادة في الحاجة لتمويل إضافي لتغطية الالتزامات التشغيلية ومخصصات التعثر.
وقد ساهم هذا الضعف في:
زيادة الاعتماد على التسهيلات الائتمانية.
التضخم في بند الفوائد البنكية.
مزيد من الضغط على سيولة الشركة.
ويضع ذلك الإدارة أمام ضرورة إعادة هيكلة تكاليف التمويل وتحسين إدارة رأس المال العامل في الفترات المقبلة.
خامسًا: أداء متباين للشركات التابعة… وعدم تجانس في النتائج
أبرزت الجداول المالية تفاوتًا واضحًا في نتائج الشركات التابعة:
نشاط التمويل متناهي الصغر حقق إيرادات بلغت 445.5 مليون جنيه مقابل 453 مليون جنيه العام السابق — تراجع محدود لكنه يعكس تباطؤ نمو المحفظة.
نشاط إدارة المحافظ والصناديق حقق إيرادات 240.7 مليون جنيه مقابل 236.4 مليون جنيه — نمـو طفيف لكنه إيجابي.
نشاط الوساطة المالية تأثر بانخفاض السيولة في سوق الأوراق المالية.
نشاط التمويل العقاري لم يظهر نموًا قويًا بعد، وظل ضمن القطاعات الأقل مساهمة في الربحية.
هذا التباين بين الأنشطة جعل أداء الشركات التابعة غير متجانس، وهو ما انعكس في شكل تفاوت كبير في مساهمة كل قطاع في الأرباح، وأدى إلى عدم قدرة بعض الأنشطة على تعويض الضغط الواقع على أخرى.
سادسًا: إدارة الأصول… القطاع الأكثر قدرة على الصمود
وسط كل هذه الضغوط، برز قطاع إدارة الأصول كأحد أكثر الأنشطة استقرارًا وقدرة على دعم المجموعة، حيث سجل:
زيادة في حجم الأصول المدارة (AUM).
تحسنًا في أداء الصناديق، خاصة في أدوات الدخل الثابت.
إيرادات مستقرة ومتكررة بلغت نحو 240.7 مليون جنيه خلال الفترة.
هذا القطاع أثبت مرونة خاصة، كونه الأقل حساسية لتقلبات أسعار الفائدة مقارنة بالتمويل متناهي الصغر أو التأجير التمويلي، وهو ما جعله أحد أهم عوامل التوازن داخل المجموعة.
سابعًا: قوة نموذج الأعمال المتنوع
واحدة من أهم نقاط الصمود كانت تنوع محفظة الأنشطة، إذ تمتد أعمال المجموعة بين:
التمويل متناهي الصغر
التمويل الاستهلاكي
التأجير التمويلي
الوساطة المالية
إدارة الأصول
الخدمات المصرفية الاستثمارية
هذا التنوع ساعد في:
توزيع المخاطر عبر عدة قطاعات.
حماية الشركة من التأثر الكبير بأي قطاع منفرد.
توفير تدفقات دخل متنوعة يمكن الاعتماد عليها.
ثامنًا: استقرار حجم محفظة التمويل رغم الضغوط
ورغم التراجع في الربحية التشغيلية، تمكنت الشركة من الحفاظ على حجم مستقر لمحفظة التمويل، وهو مؤشر على:
قوة العلاقة مع العملاء.
استمرار الطلب على منتجات التمويل رغم ارتفاع الفائدة.
مرونة نموذج الأعمال في مواجهة الظروف غير المواتية.
تاسعًا: مساهمات إيجابية من بعض الاستثمارات التابعة
أسهمت عدد من الشركات التابعة والشقيقة في دعم الإيرادات من خلال:
عوائد توزيعات.
نتائج تشغيلية مستقرة.
تقييمات مالية إيجابية في بعض الأنشطة.
وهو ما ساعد في الحدّ من اتساع فجوة التراجع في الأرباح التشغيلية.
تعكس نتائج “سي آي كابيتال” لعام 2025 صورة سوقية واضحة: ارتفاع تكلفة التمويل أصبح العامل الأكثر تأثيرًا على شركات التمويل والاستثمار في مصر.
وقد جاءت نتائج الشركة مزيجًا بين:
ضغوط واضحة:
ارتفاع تكلفة الاقتراض بشكل غير مسبوق.
تآكل الهوامش في الأنشطة الحساسة للفائدة.
زيادة المخصصات وارتفاع مخاطر الائتمان.
تباطؤ السيولة وتراجع التدفقات النقدية التشغيلية.
وعناصر توازن مهمة:
أداء قوي لقطاع إدارة الأصول.
تنوع محفظة الأنشطة.
استقرار نسبي في محفظة التمويل.
مساهمات إيجابية من الاستثمارات التابعة.
ويمكن القول إن الشركة تمكنت من احتواء الضغوط، لكنها لم تتمكن من تفادي أثرها على الربحية. ويصبح العام القادم فترة مفصلية تتطلب من الإدارة:
تحسين هيكلة الدين وتقليل تكلفة التمويل.
تعزيز جودة الائتمان وتحسين إدارة المخاطر.
إعادة ضبط الكفاءة التشغيلية.
تعظيم دور الأنشطة الأقل حساسية للفائدة مثل إدارة الأصول.



