أخباراقتصاد عربيبورصة

بوتين وتشي وسط العالم …… وترمب في عالمه الخاص

عبدالله حموده

سجل التاريخ  حركتين على خطوط الملاحة الجوية، يندر أن تتزامنا في يوم واحد، وبفارق زمني لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة من الساعات.

 

الحركة الأولى كانت إقلاع طائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من موسكو، متجهة شرقا إلى العاصمة الصينية بكين، في زيارة دولة على المستوى الرسمي، لكنها “صادفت” يوم ميلاد الرئيس الصيني تشي جن بنج، تبعتها قمة منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي.

 

والحركة الثانية كانت إقلاع طائرة “إير فورس – 1” الأمريكية، حاملة الرئيس دونالد ترمب شمالا إلى بلدة “لامالباي” الخلابة، في مقاطعة “شارل فوا” بإقليم كيبيك الكندي، للمشاركة في قمة “مجموعة الدول السبع” الأكبر اقتصادا في العالم.

 

تضمن جدول أعمال زيارة بوتين لبكين قمة ثنائية مع نظيره الصيني تشي، شهدت توقيع 17 اتفاقية للتعاون بين الصين – صاحبة الكتلة السكانية الأكبر في العالم – وروسيا – صاحبة المساحة الجغرافية الأكبر في العالم أيضا – تشمل مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن، على الصعيدين

 

الإقليمي والدولي. وتبع القمة الثنائية انعقاد قمة مجموعة دول منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي في منتجع “تشينج دوا” – على الساحل الشرقي للصين – بمشاركة الأعضاء الخمسة الآخرين؛ أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان، والهند وباكستان- إلى جانب روسيا والصين – مع أربع دول

 

أخرى – تحمل صفة مراقب في المنظمة – هي أفغانستان وروسيا البيضاء وإيران منغوليا، وست دول أخرى تحظى بصفة “شركاء حوار”، هي أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا. وقد تأسست منظمة شنغهاي في شهر أبريل عام 1996، وهو ما دفع مراقبين للقول بأن تأسيسها –

 

قبل اكتمال خمس سنوات على تفكك الاتحاد السوفييتي – كان مؤشرا على احتفاظ روسيا ببذور إعادة البناء، ورفض الانهيار واستثمار الدول الغربية له؛ حتى قبل أن يتولى بوتين الرئاسة.

ويعني توالي القمتين، حرص الدولتين “العظميين” – في مشرق العالم – على تنسيق المواقف،

 

وتحديد رؤية دولية واضحة، في ظروف تهديد الاستقرار العالمي، بفعل فقدان السياسة الأمريكية للمسؤولية – باعتبارها الدولة “الأعظم” بالمطلق –  وغياب التقدير لديها، لما يمكن أن ينتج عن إساءتها استخدام وضعها في النظام المالي العالمي؛ حيث الدولار الأمريكي هو عملة التداول

 

والتسويات المصرفية، والاحتياطيات النقدية للكثير من الدول. ونتيجة لهذا الوضع المتميز، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي المكان الأمثل للاستثمار “الدولاري”، وكذلك الحال في استثمارات (سندات) أذون الخزانة الأمريكية. ورغم أن الاستثمار في أذون الخزانة يعني أن الولايات المتحدة

 

دولة مدينة، إلا أن وضع المدين – في هذه الحالة، وتهديده بابتزاز من بتعامل معه – يكون أقوى من وضع الدائن، الذي هو مهدد – في أحوال كثيرة – بتجميد استثماراته، أو بفرض عقوبات عليه – وعلى كل من يتعامل معه – تشل حياته الاقتصادية والمالية، باستخدام التشريعات العابرة للحدود (والقارات).

ومن الناحية السياسية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسيء استخدام وضعها؛ بصفتها الدولة المضيفة لمنظمة الأمم المتحدة، وأكبر المساهمين في ميزانيتها، وإحدى الدول الخمس المتمتعة بحق الاعتراض “فيتو” في مجلس الأمن. ومن ذلك أنها تضغط على المنظمة الدولية، وعلى وكالاتها

 

ومؤسساتها الفرعية، وتتدخل في اختيار وتوظيف العاملين فيها – ولا يستثنى من ذلك شاغل منصب الأمين العام نفسه – كما أنها تسيء استخدام حق الاعتراض في مجلس الأمن، لحماية إسرائيل من الإدانة والعقاب، بسبب جرائم التجاوزات المخالفة للقوانين الإنسانية والدولية.

 

وتضغط على الدول الصغيرة – بمنح المعونات وقطعها – للتصويت حسب الرؤية الأمريكية – المتعسفة – في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها الأخرى.

 

وفي حين كانت رحلة الرئيس الروسي بناءة وإيجابية إلى أقصى درجة، بدت رحلة الرئيس الأمريكي إلى كندا كارثية، حيث غلب عليها طابع الانشقاق الأمريكي عن بقية “الحلفاء ” منذ البداية، والخلاف حول كافة القضايا المطروحة على جدول الأعمال، وانتهاء بمغادرة ترمب القمة في نهاية

 

اليوم الأول، وملاسنته – غير اللائقة – في حق رئيس وزراء كندا الشاب جوستين ترودو. فضلا عن سحب موافقة الولايات المتحدة الأمريكية من البيان الختامي الصادر في ختام أعمالها.

لم تستطع أجواء منتجع “لامالباي” الخلابة تبديد غيوم السياسات الأمريكية السلبية، التي بلغت أقصاها في عهد إدارة ترمب الحالية، ابتداء من الانسحاب من الاتفاق العالمي لمعالجة آثار التغير المناخي – الموقع في باريس عام 2015 – وانتهاء بفرض تعرفات جمركية على واردات الصلب

 

والألومنيوم، تهدد بحرب تجارية، خرقا لاتفاقية منظمة التجارة العالمية، مرورا بالانسحاب من الاتفاق النووي فرض الإيراني، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية لدى الدولة الصهيونية إليها. وكلها مؤشرات على فقدان واشنطن أهليتها لدور الدولة العظمى الأولى في العالم.

حتى الدول الكبرى الأعضاء في التحالف الغربي، بدأت تتأكد مما كانت تشعر به من قبل؛ وكأن الولايات المتحدة تعاملها معاملة “التابع”، فتفرض عليها ما تتخذه واشنطن من قرارات أحادية، وتتوقع منها الالتزام دونما اعتراض أو حتى مناقشة. وهو ما ترفضه دول الاتحاد الأوروبي، وحتى كندا والمكسيك. والأخيرة لها قضية إضافية مع ترمب، بشأن مشروعه الأخرق لبناء حائط عازل على الحدود الجنوبية لبلاده معها.

يطرح الحال الأمريكي سؤالا، عما إذا كان الشعار الذي يرفعه الرئيس ترمب “أمريكا أولا”، يعني “أمريكا فقط”؟ أو “أمريكا وحدها”؟ في هذا العالم. صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأعظم في العالم اليوم، لكنها لا تستطيع أن تكون هي – وربما معها إسرائيل – العالم. بل إن

إسرائيل ذاتها، قد تفضل القفز من حاملة الطائرات الكبرى في العالم، إذا تأكدت أنها تغرق. وهذا بالطبع، بعد أن تكون امتصت منها آخر قطرة من عصارة المنفعة.

والتساؤل الآخر المهم – في هذا السياق الزمني – هو: هل يلتقي ترمب الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون غدا، بصفته زعيما لما يسمى “العالم الحر”؟ أم أنه يحرم نفسه من أوراق ضغط، هو في أمس الحاجة إليها؟