أخباراقتصاد عربيعام

احترم عقولنا …..ياوزير الصناعة

بقلم جمال طايع

 

منذ أيام طلع علينا المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة مهللاً ومعلنًا خبرًا مهمًا وسارًا فى نفس الوقت «أن الصناعة المصرية استطاعت أن تحقق أعلى معدلات نمو فى الإنتاج الصناعى على مستوى العالم خلال الثمانية أشهر الأخيرة»، وذلك خلال فاعليات افتتاح المؤتمر الدولى الذى نظمه معهد التخطيط القومى تحت عنوان «التصنيع والتنمية المستدامة» بحضور رئيس الوزراء وعدد من وزراء المجموعة الاقتصادية!

هذا الكلام جميل وجميل جدًا من وزير الصناعة المحترم الذى له كل الحق أن يفخر بما حققه من إنجازات فى مجال الصناعة وحل جميع مشاكلها المستعصية.. لكننى أتساءل هل هذا معناه أننا حققنا فائضاً فى الميزان التجارى وأن العجز انتهى إلى غير رجعة.. وأننا عالجنا التشوهات فى الهيكل الصناعى الإنتاجى وتخلصنا من هيمنة الصناعات

 

الاستهلاكية؟! وهل نحن لدينا صناعة بالمفهوم العلمى للصناعة ننافس بها فى الأسواق العالمية؟! وإذا كنا حققنا أعلى المعدلات فى الإنتاج على مستوى العالم.. فهل هذا يعنى أننا تفوقنا على ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وكل الدول الصناعية الكبرى بما فيها الهند وكوريا واليابان وحتى تايلاند؟!

 

يا سيادة الوزير أرجو أن تحترم عقولنا وأن تراجع بياناتك وأرقامك قبل أن تعلنها على الملأ.. فنحن لسنا فى هوجة التصريحات الوردية ولا المؤشرات المثالية وأن زمن هذا الكلام ولى وأصبح لا يسمن ولا يغنى من جوع.. إننا آخر من يجب أن يتحدث عن الصناعة.. فمصر بكل ثقلها وخبرتها العلمية ودورها الريادى والتاريخى فى المنطقة ليس لها

 

علامة تجارية أو ماركة مسجلة عالميًا ونفتخر بها بين الدول الصناعية.. إننا تأخرنا كثيرًا سيادة الوزير وسبقتنا دول لم تكن على الخريطة أصلاً سواء كان هذا بفعل فاعل أو جهل مسئولين سابقين تناوبوا على مسئولية وزارة الصناعة! إننا تأخرنا كثيرًا عن فترة الستينيات والتى شهدت فيها الصناعة المصرية ازدهارًا أو نموًا لم يحدث منذ حقبة محمد على.. حيث كانت مصر قد قطعت شوطًا كبيرًا فى مجال التنمية الصناعية بالخطة الخمسية (60 /1965) والتى

 

أسفرت عن بناء 5 آلاف مصنع كان أهمها- على سبيل المثال لا الحصر- الحديد والصلب والنصر للسيارات والألمونيوم المصرية والنحاس والمراجل البخارية والترسانة البحرية ومصانع الغزل والنسيج والفوسفات والمنجنيز وغيرها الكثير حتى أصبح لديها ركيزة صناعية كبرى،بالإضافة إلى بناء السد العالى كأكبرمشروع صناعى مائى فى العالم.. هذه

 

القاعدة الصناعية الكبرى كانت إحدى ركائز دعم حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 وهى التى مولت اقتصاد الحرب فى هذه المرحلة!
وإذا كانت الصناعة بمفهومها الواسع هى تغيير فى شكل المواد الخام لزيادة قيمتها وجعلها أكثر ملاءمة لحاجات الإنسان ومتطلباته وتبرز أهميتها فى كونها ترفع من مستوى معيشة الشعوب بما تدره من مال وما توفره من رفاهية

 

للإنسان بمقتنياتها المختلفة.. كما أنها وسيلة مهمة لامتصاص الأيدى العاملة الزائدة عن حاجة الزراعة والخدمات الأخرى.. فإنك يا سيادة الوزير- بعيدًا عن تصريحاتك الوردية- عليك يقع العبء الأكبر فى إعادة نهضة مصر الصناعية المسلوبة منا وبشكل يفتخر به كل مصرى عندما يجد أننا أصبحنا ننتج الإبرة والسيارة والصاروخ بعد أن أفرزت لنا

 

سياسة الانفتاح- السداح مداح- أسوأ ما فينا وظهر لنا رجال صناعة «أنصاف أسطوات» من عينة «اقلب وانهب» وتم تصفية مئات الشركات الصناعية التى كان لها اسم عالمى وبيعها بثمن بخس تحت مظلة الخصخصة التى دمرت الحياة الاقتصادية المصرية وشردت مئات الآلاف من العاملين والأسطوات المهرة واستمر التجريف والتخريب للصناعة

على مدار أكثر من 30 سنة!
وأستحضر هنا قول «فرانسوا ريفييه» عن الصناعة المصرية «بأن بنيتها لاتزال ناقصة وأن النمو الصناعى لا يزال شديد التبعية للخارج وأن النمو الصناعى لا يلعب دورًا محركًا لتطور بقية قطاعات الاقتصاد.. إذ إن مساهمة الصناعة فى حل مشكلة البطالة لا تزال محدودة.. كما أن منافع النمو الصناعى لم تصل إلا إلى فئات اجتماعية ضيقة!! وكل عام وحضراتكم بألف خير وسعادة بمناسبة شهر رمضان الكريم.