د محمد حافظ ابراهيم
اوضحت الدكتورة أرميل رانسيّاك بجامعة كوليج دو فرانس بفرنسا ان مسألة النوم حساسة جداً وان افتقار الجسم له يتسبب بآثار ضارة. حيث لا تُناسِب موجات الحرّ الشديد محبّي النوم، إذ أن ازديادها بفعل التغيّر المناخي قد يكون سبباً في قلّة النوم الضارّة بالصحة. حيث يُتوقَع أن تشهد دول عدة في أوروبا الغربية والوسطى خلال السنين المقبلة، موجة حرّ ستكون حدّتها غير معهودة خلال هذه الفترة من السنة، وسيحدّ ذلك على الأرجح من قدرة الكثير من الناس على النوم. وتقول الباحثة في علم الأعصاب الدكتورة أرميل رانسيّاك إن التمتع بنوم جيّد ممكن بشرط حدود 28 درجة مئوية بالمدينة او الدولة، لكنّ ارتفاع الحرارة أكثر من ذلك يجعل النوم أكثر صعوبة. فالدماغ الذي يضم خلايا عصبية تنظّم درجة حرارة الجسم والنوم ومترابطة بشكل كبير، وتتأثر جداً بالحرّ ومن شأن الحرارة المرتفعة أن ترفع منظم الحرارة المركزي وتنشط أنظمة التوتّر.
واوضحت الدكتورة أرميل رانسيّاك بجامعة كوليج دو فرانس شروط الحصول على نوم عميق. وان من اهم الشروط للحصول على نوم عميق هى خفض درجة حرارة الجسم. ولكن في ظل جوّ حار جداً، يكون تمدد الأوعية الدموية في البشرة أقل فاعلية، ويتقلّص فقدان الحرارة، مما يؤخّر النوم ويسبب الارق . وتتسبّب درجات الحرارة المرتفعة ليلاً في زيادة احتمال الاستيقاظ وجعل النوم العميق مسألة صعبة. وتوضح الباحثة أن الفرد يميل في نهاية دورة الارق إلى الاستيقاظ ومواجهة صعوبة في معاودة النوم، لأن الجسم يسعى إلى إيقاف مرحلة خطر حراري. بينما لا يحتاج الجميع إلى القدر نفسه من النوم يومياً إذ تختلف هذه الحاجة بحسب العمر وتراوح حاجة معظم البشر بين سبع ساعات وتسع من النوم الليلى الصحى .
واوضحت دراسة عام 2022 أن البشر خسروا خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين ما معدّله 44 ساعة من النوم سنوياً مقارنة بالفترات السابقة. وفي ظل الارتفاع في درجات الحرارة الناجم عن التغير المناخي القادم والذى قد يصل “العجز” في ساعات النوم لكل فرد إلى 50 وحتى 58 ساعة سنوياً بحلول نهاية القرن، بحسب الدراسة الحديثة التي اكدها الدكتور كيلتون مينور من جامعة كوبنهاغن والتى تستند إلى بيانات أكثر من 47 ألف شخص من أربع قارات زُوّدوا أساور ذكية لتحديد معدلات الارق . ومن شأن قلة النوم المفرطة بالمقارنة مع حاجة الفرد في هذا المجال أن تؤثر سلباً في قدرة الجسم على استعادة نشاطه. وتشير الدكتورة أرميل رانسيّاك إلى أنّ النوم ليس ترفاً، بل إن توازنه مسألة حساسة جداً وافتقار الجسم له يتسبب بآثار صحية ضارة.
واشار كبير الأطباء في معهد البحوث الطبية الحيوية للقوات المسلحة الفرنسية الدكتور فابيان سوفيه إنّ الآثار الرئيسية لنقص النوم على المدى القصير هي “إدراكية” أي النعاس والتعب وخطر التعرض لإصابة في العمل أو لحادث سير، وفقدان الصبر. أما على المدى البعيد، فيؤدي نقص النوم المتكرر والمطول إلى “دَين” ضار، ليس فقط للفئات الهشّة ككبار السن والأطفال والمصابين بألامراض المزمنة. ولكن يحذر عالم الأعصاب من أن قلة النوم تؤثر على عملية الأيض لدى الافراد، ويعرّضه لزيادة الوزن أو للإصابة بمرض السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية أو أمراض التنكس العصبي كالزهايمر. حيث يتسبب “دَين” النوم أيضاً في خفض مقاومة التوتر وزيادة خطر الانتكاس أو الإصابة باضطراب نفسي.
واوضح الدكتور فابيان سوفيه بان الحصول على النوم ألافضل في الطقس الحار ليس بتشعيل اجهزة التكيف. حيث يرى الدكتور فابيان سوفيه أن الحلّ ليس بالتكييف بل على الشخص أولاً تغيير عاداته، كالنوم بملابس خفيفة والتهوية قدر الإمكان، ولا ضرورة لأن تكون حرارة الغرفة بين 18 و22 درجة مئوية، إذ أن حرارة ما بين 24 و26 درجة مئوية تكفي. حيث أنّ “التأقلم” مع درجات حرارة مرتفعة “يستغرق بين 10 و15 يوماً”، في ضوء تجارب العسكريين الذي يؤدون مهام في بلدان حارة حيث اوضحت الدكتورة أرميل رانسيّاك انه ينبغي تقوية الآليات التي تتيح تقلب درجة الحرارة لدينا أثناء دورات النهار والليل، والاستغناء عن كل ما يؤثر سلباً على النوم، أو على الأقل الحدّ منه. ومن الأمثلة على ذلك أخذ حمام بارد لكن ليس كثيراً، وممارسة الرياضة ليس في وقت متأخر لعدم رفع درجة الحرارة كثيراً، والحد من شرب السوائل التي تؤثر سلباً على النوم كالقهوة، والحد من شرب الكحوليات. وتقول عالمة الأعصاب إنّ الكحول هي بمثابة صديق زائف فهو يساعد في الاسترخاء مما يحفّز النوم، لكنها ترفع درجة حرارة الجسم قليلاً، وهو ما يؤدي إلى النوم بشكل متقطّع. وللفراش دور أيضاً في عملية النوم، لأنّ بعض الفرش تراكم الحرارة بشكل متزايد، كما اوضحت الدكتورة أرميل رانسيّاك. وللتخفيف من نقص النوم ليلاً، يقترح أخذ قيلولات قصيرة لحوالى 30 دقيقة اثناء النهار تحت الظل.
واوصت هيئة الغذاء والدواء الامريكية بانه يوجد أطعمة ومشروبات تعيق النوم واخرى تساعد على النوم وتمنع الارق. ويتسبب الخلود إلى النوم على معدة فارغة في زيادة إفراز هرمون الكورتيزول المعروف باسم هرمون التوتر، ما يؤدي إلى المعاناة من الأرق، ولذلك ينصح أخصائيو التغذية بتناول وجبة خفيفة تحتوي على المكونات الغنية بالمغنيسيوم مثل الموز والحمص والمكسرات والبذور والأفوكادو والشوكولاتة الداكنة قبل الذهاب إلى الفراش واستثناء أنواع الأطعمة والمشروبات التى تسبب الارق. حيث هناك علاقة وثيقة بين الطعام الذي نأكله وجودة نومنا، فبعض الأكلات يمكن أن تسبب لنا الأرق وتجعلنا نعاني نومًا سيئًا ولكن في المقابل هناك بعض الأطعمة التي يمكن تناولها إذا كنا نعانى من الارق وهى تساعد في تحسين جودة النوم. ومن اهم الاطعمة التى يجب تجنبها والاخرى التى يجب تناولها هى:
= تجنب الأطعمة المقلية والدهنية: لأنها تُعطل وتُعقد عملية الهضم أثناء الليل، كما تحتوي المأكولات الغنية بالتوابل على مستويات عالية من المادة النباتية الكيميائية «الكابسيسين»، وبالتالي زيادة عملية التمثيل الغذائي وحرق السعرات الحرارية أما اللحوم المدخنة أو النقانق فهي غنية بنسبة كبيرة من الأحماض الأمينية التي تنبه الدماغ وتسبب حالة التيقظ ولذلك ينصح بتناولها في الغداء.
= تجنب الشروبات المشروبات الغازية والشاي والقهوة والكافيين ليلاً: تسبب الإصابة بالأرق، وسوء عملية الهضم، كما تعمل مشروبات الطاقة الغنية بمستويات عالية من الكافيين والحوامض الأمينية، على زيادة اليقظة والأدرينالين مما يجعل الحصول على النوم العميق غير ممكن. حيث تزداد حساسية الجسم ضد الكافيين مع تقدم العمر ولذلك فإن تناول قطعة صغيرة من الشوكولاتة يمكن أن تمنعهم من النوم في الليل، لكونها تحتوي على «التيروزين» التي تُصنف ضمن قائمة الأحماض الأمينية.
= تجنب تناول الأطعمة الحمضية قبل النوم: التى تؤدى الى زيادة إنتاج حمض المعدة و تتسبب إضافة صلصة الطماطم، والفلفل الحار إلى مكونات وجبة العشاء في الإصابة بارتجاع المريء والحموضة المعوية، ولذلك يجب تجنبها وكذلك الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على السكر المكرر والمخبوزات السريعه والحبوب المكررة وبعض منتجات الألبان الدسمة.
= تناول العسل: أضافة العسل إلى الحليب الدافئ أو الشاي قبل ساعات من موعد الذهاب إلى السرير. هذا القدر من الجلوكوز يخفض مستويات الأوركسين وهو ناقل عصبي يرفع مستوى يقظة الانسان.
= تناول الحبوب الكاملة: يمكن تناول قطعة من خبز الحبوب الكاملة أو الخبز الشوفان حيث تشجع الحبوب الكاملة على إنتاج الأنسولين، مما يساعد المسارات العصبية على إيصال التربتوفان وهو حمض أميني يعمل كمسكن إلى الدماغ.
= تناول الموز: يحتوي الموز على نسبة عالية من البوتاسيوم، وهو معدن ضروري للحصول على نوم عميق أثناء الليل ويحتوي الموز على التربتوفان والمغنيسيوم ويجعل طبيعة الفاكهة مهدئة.
= تناول الفاصوليا: تُستخدم فيتامينات بى منذ فترة طويلة لعلاج الأرق والمساعدة في تخفيف التوتر والقلق و إذا كنت تبحث عن مركب طبيعي من فيتامين بى، تناول الفاصوليا، فهي تحتوي على فيتامينات بى.
= شرب الألبان خالية الدسم: الألبان هي مصدر طبيعي للتربتوفان الذي يحفز النوم ومحتوى الكالسيوم في الألبان له تأثير معزز لطيف على الأحماض الأمينية.
= تناول المكسرات: تعتبر حفنة من المكسرات وجبة خفيفة رائعة قبل النوم لأنها تساعد على تعزيز مستويات السيروتونين في الدماغ وهي مصدر ممتاز للمغنيسيوم والتربتوفان. يحتوي الجوز وبذور الكتان وبذور اليقطين وبذور عباد الشمس على أعلى مستويات المهدئات الطبيعية.
= الشوفان: الميلاتونين هو هرمون يساعد على التحكم في دورة النوم والاستيقاظ في الجسم. الشوفان مصدر طبيعي لهرمون الميلاتونين الذى يتحكم في دورة النوم والاستيقاظ.
= تناول الحمص: الحمص يساعد على تناول كميات أقل من الطعام، ويحتوي على نسبة عالية من فيتامين بى 6، الذي يلعب دورًا مهمًا في مساعدة الجسم على إنتاج السيروتونين، وهو هرمون الشعور بالسعادة الذي يعزز صحتك العقلية ويساعد على الراحة.
= تناول الخضروات الورقية: تحتوي الخضروات الورقية على مستويات عالية من الكالسيوم وهو مهم لإنتاج هرمونات النوم.
= تناول الزبادي الخالى الدسم: الزبادي مع القليل من اضافات الحبوب المفضلة هو ما تحتاجه للنوم. وذلك لأن الزبادي يحتوي على الكالسيوم، وهو ضروري لمعالجة هرمونات التريبتوفان والميلاتونين التي تحفز النوم.