الندوة العلمية بكلية الدراسات الافريقية العليا – جامعة القاهرة
مسارات واتجاهات العلاقات العربية – الافريقية في الوقت الراهن
في إطار الأهمية البالغة لتنمية العلاقات العربية الافريقية في ظل الأوضاع الراهنة وفى ضوء توسع العلاقات الدولية وتبادل المنافع، بادر مركز البحوث الافريقية بكلية الدراسات الافريقية العليا – جامعة القاهرة بعقد ندوة علمية هامة فى هذا الإطار حاضر فيها عدد من العلماء والمتخصصين وحضرها العديد من المثقفين والفاعلين والباحثين في الدراسات الافريقية والعربية ، وادار الندوة الدكتور محمود أبو العنين عميد المعهد الأسبق واستاذ العلوم السياسية بالكلية
الن دوة عقدت بتوجيهات ورعاية من رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت وعميد الكلية ورئيس الندوة الدكتور عطية الطنطاوي.
افتتح الدكتور الندوة الدكتور عطية الطنطاوي عميد الكلية مرحبا بالضيوف والمنصة وموضحا الأهمية القصوى لانعقادها في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها المجتمع الدولي لاسيما العالم العربي واهمية تنمية العلاقات العربية الافريقية والمنافع التي سوف تعود على كافة الأطراف مبرزا عمق العلاقات المصرية الافريقية والمصرية العربية وكيف ان دعم وتنمية العلاقات الاقتصادية والتنموية بين كافة هذه الأطراف لاسيما فى ضوء تحول العالم الى تكتلات اقتصادية تنأى عن الخلافات والصراعات السياسية وتحكمها المصالح الاقتصادية امر اصبح من الأهمية بمكان ولا يتحمل التأخير، مشيرا ان المحتوى الذى تستهدفه الندوة انما يصبو الى إيجاد حلول عملية وقابلة للتنفيذ فضلا عن الوقوف على كافة السلبيات التي تعرقل سير العملية التنموية وكيفية المعالجات العلمية الممكنة في هذا الاطار وكذا أهمية الدور المصري في هذا المجال.
بدأت الكلمات من خلال مقررة الندوة ومدير مركز البحوث الافريقية الدكتورة شيماء محى الدين حيث ركزت على أهمية انعقاد هذه الندوة في الوقت الراهن والتي تأتى انطلاقاً من الحاجة إلى تقييم مسيرة العلاقات العربية- الأفريقية بغية الاستفادة من تجارب ودروس الماضي واستشراف آفاق المستقبل، حيث يصبح العمل على تطوير وتعزيز العلاقات العربية الأفريقية أمرا من الأهمية بمكان، لاسيما في ضوء الأدوار الهامة لمؤسسات التعاون العربي الأفريقي المشترك ومدى إمكانية مواجهة التحديات المشتركة بين الجانبين، واهمية استحداث آليات تساعد الحكومات العربية والأفريقية على التعاون البناء من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعوب العربية والأفريقية ، مؤكدة على ان إيجاد نهجا جديدا ومقاربة شاملة سواء على مستوى الخطاب السياسي ، وذلك من خلال مشروع طموح تشارك في إطاره الشعوب العربية الأفريقية جنبا إلى جنب مع الحكومات لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك وتنسيق المواقف وتجاوز آلام الماضي لاستشراف آفاق المستقبل.
وتناول الدكتور محمد عاشور أستاذ العلوم السياسية بالكلية مراحل تطور العلاقات العربية الأفريقية في العصر الحديث وتحديدا منذ مرحلة النضال المشترك ضد الاستعمار والتي تحملت مصر فيها الجانب الأكبر من المسؤولية في تقديم الدعم المادي والمعنوي لحركات التحرر الوطني على امتداد القارة الأفريقية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، الأمر الذي كان له صداه ومردوده في وقوف الدول الأفريقية إلى جانب مصر وتعاطفها مع القضايا العربية الرئيسة (القضية الفلسطينية) في أعقاب نكسة عام 1967 واحتلال جزء من أرض مصر الذي اعتبرته الدول الأفريقية احتلالا لأرض أفريقية قطع على إثره عديد من الدول الأفريقية علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل خاصة مع نجاح الجهود المصرية والعربية في الربط بين الممارسات الإسرائيلية والممارسات العنصرية في جنوب أفريقيا ، وانتقالا من مرحلة التعاطف الأفريقي إلى مرحلة جهود مأسسة التعاون العربي الأفريقي والتي أعقبت حرب أكتوبر والتي بلغت ذروتها بانعقاد القمة العربية الأفريقية في القاهرة مارس 1977م وصاحبتها طموحات عالية على كافة المستويات سرعان ما انهارت بفعل الخلافات العربية – العربية على خلفية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وما أدت إليه من انعكاسات سلبية على جهود العمل العربي المشترك، لينتقل التعاون العربي الأفريقي إلى مرحلة جديدة يغلب عليها الطابع الثنائي على اختلاف في حجم ودور كل طرف عبر العقود المختلفة، حيث أشار عاشور إلى ما أسماه المرحلة الليبية والتي تصدرت فيها ليبيا القذافي جهود العمل على الساحة الأفريقية واتسمت سياستها بإعلاء التعاون الأفريقي- الأفريقي كبديل للتعاون العربي – العربي وذلك نوع من رد الجميل للقارة بعد ان وقفت إلى جانب ليبيا فيما يتصل بقضية “لوكيربي” والخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع اختفاء النظام الليبي والقذافي من الساحة وبفعل التغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011م تحولت دفة العلاقات ومركز ثقل التفاعلات إلى ما أسماه الدكتور عاشور “اللحظة الخليجية” والتي اتسمت بالتأكيد على العلاقات الثنائية والاقتصادية البرجماتية بين أطراف العلاقة، وهو ما يفسر من وجهة نظره في جانب منه بتقديم وتفضيل المملكة السعودية عقد القمة السعودية الأفريقية على القمة العربية الأفريقية، وفي ختام مداخلته أكد عاشور على أن التحولات التي شهدتها العلاقات العربية الأفريقية لم تكن فقط نتاج التحول في مركز ثقل أو دفة قيادة العلاقات العربية الإفريقية بل نتاج عوامل ذاتية وموضوعية على الجانبين العربي والأفريقي، وأنه على من يريد أن يعاود تعزيز العلاقات العربية الأفريقية جماعيا أو فرديا أن يدرس تلك العوامل جيدا للاستفادة من خبراتها ودروسها ، وأكد أن مصر هي الأولى والأجدر أن تقوم بذلك لما لها من سبق في التعاون وعمق في التاريخ الحضاري الأفريقي وخبرات وقدرات وكوادر بشرية وفنية في التعامل مع الأشقاء الأفارقة.
فيما ناقش الدكتور ايمن عبد الوهاب نائب رئيس مركز الاهرام للدراسات السياسية والافريقية العديد من المحاور ذات الصلة كان اهمها الإشكالية الرئيسية المحددة للمسارات وملامحها بداية من المتنافسين دوليا وإقليميا ودورهم في المعادلات والتوازنات الخاصة بالقوى وهندسة المنطقة العربية والإفريقية، والدلالات المستقبلية التي تبدو مغايرة للمسارات القديمة موضحا ان هؤلاء الفاعلين هم ( أمريكا الصين روسيا الاتحاد الأوروبي والهند، اسرائيل إيران تركيا ، مصر السعودية الإمارات قطر الجزائر المغرب، جنوب إفريقيا، إثيوبيا، نيجيريا…) ومشيرا لمدى اتساع المجال الحيوي الاستراتيجي للعديد من الدول الفاعلة ، ومؤكدا على المخاطر المتزايدة والتداعيات المصاحبة لتلك المخاطر من بينها أزمة الغذاء الناتجة عن تأثر سلاسل الإمداد العالمي أزمة الكوفيد والأوبئة ، التغيرات المناخية وتأثيراتها البيئية، والأعاصير والزلازل ، والارهاب ، وكذا عوامل عدم الاستقرار خصوصا إشكالية بناء الدولة وضعف عمليات الاندماج الوطني نتيجة (التعددية الاثنية والثقافية) ، كما تطرق أيضا قضية العولمة والثورة التكنولوجية الخامسة وسهولة ضربها للدولة والمجتمع والمواطنين وفي ختام هذا المحور ركز على مدى توافق أجندة التعاون واولوياتها وتضارب المصالح وتعدد الرؤى من خلال طرحه لقضايا التنمية والطاقة والغذاء والتجارة والصراعات العربية العربية أو الدولية ( الصراع الإسرائيلي، الصحراء، مصر واثيوبيا….وايضا الى أهمية تطور الأطر المؤسسية لإدارة العلاقات العربية الإفريقية
وانتقل عبد الوهاب الى محور هام وهو مدى الاستفادة الافريقية- الافريقية والعربية – العربية وكذا الاستفادة الخليجية من هذا التعاون موضحا ماهي مسارات التعاون وفرص العمل الجماعية في ضوء الطابع المؤسسي للتعاون العربي الافريقي وطرح أيضا نوعية للمشروعات التنموية التي يمكن استهدافها وصولا الى التنمية والنمو واستشرف عبد الوهاب اجندة مستقبلية للاستقرار والتنمية بداية من المدخل التنموي من خلال مثلث التنمية (أمن الطاقة الامن المائي الامن الغذائي) مرورا بمدخل السلم والاستقرار وتقوية الإطار المؤسسي وأخيرا المكون الثقافي الداعم للهوية والعمق الحضاري العربي الأفريقي.
كما ركز السفير صلاح حليمه مساعد وزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس المجلس المصري للشئون الافريقية على الدور الرئيس لمصر في عدة محاور ذات الصلة ( على المستوى السياسي والاقتصادي وأيضا على المستوى الثقافي واهمية المنح التعليمة ) وكذا دور مصر في حل الخلافات بهدف تفعيل العلاقات الافريقية- الافريقية، فضلا عن المحاولات المستمرة والمثمرة في دعم العلاقات الافريقية – العربية ، مبرزا الإمكانات التي يتمتع بها كافة الأطراف والتي تدعم العلاقات المستهدفة ، وقام حليمة بتوضيح جهود المجلس المصري للشئون الافريقية في هذا الشأن مقدما دعوة للمتخصصين والباحثين من الحضور في هذا المجال للتعاون مع المركز من اجل احداث طفرة ونقلة نوعية على هذا الطريق الهام والذى يحتاج تضافر الجهود كافة.