كلمة المستشار أحمد سلام (وكيل الوزارة السابق للهيئة العامة للاستعلامات المستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر ببكين)
أمام المؤتمر العالمي الخامس للإعلام – بكوانزو ((حول البيئة الخضراء والتغير المناخي))
إنه لمن دواعي سروري المشاركة للمرة الثانية في المؤتمر العالمي للإعلام في دورته الخامسة، حيث كان لي شرف حضور الدورة الأولى، والتي عُقدت بقاعة الشعب ببكين عام 2009. وتنبع أهمية هذا الحدث الهام للغاية من تزامنه مع مرور عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق، والتي يُقصد بها (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين).
أهمية التعاون الإعلامي بين الدول العربية والصين:
يحظى التعاون الإعلامي بين الجانبين العربي والصيني، ولاسيما في بعده المرتبط بالإعلام البيئي بأهمية كبيرة في الوقت الراهن. ولعل من أبرز الدوافع والاعتبارات وراء ذلك، ما وصلت إليه الشركات والمراكز البحثية، وأذكر هنا على سبيل المثال شركة هواوي الرائدة في الرقمنة والذكاء الاصطناعي والاتصالات ومعالجة آثار التغيرات المناخية والطاقة الخضراء ورقمنة الموانئ.
وتأتي أهمية دور الإعلام البيئي في التعريف بمخاطر التغيرات المناخية وضرورة العمل على السعي للخروج من هذه الأزمة الخطيرة بموضوعية وحيادية، خاصة وأن هناك العديد من وسائل الإعلام الغربية تتبنى في معظمها وجهات نظر منحازة وغير إيجابية تجاه الدول العربية والصين. هذا بالإضافة إلى دخول مبادرة الحزام والطريق، العقد الثاني من عمرها، وهو الأمر الذي يُضاعف من أهمية التعاون الإعلامي البيئي في ظل المبادرة، ولاسيما في ظل إدراك الصين لأهمية علاج التحديات التي واجهتها مبادرة الحزام والطريق، عبر جعل المبادرة أصغر حجمًا وأكثر مراعاة للبيئة، والتركيز بدرجة أكبر على قضايا تغير المناخ والذكاء الاصطناعي. وهو ما اتضح في الرؤية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام النسخة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، التي عُقدت يومي 17 و18 أكتوبر 2023، إذ تعهد “بتعميق التعاون في البنية التحتية الخضراء والطاقة والنقل”، و”طرح مبادرة عالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي”.
الإعلام البيئي وأوجه التعاون:
تحضرني في هذا السياق مقولة الأمين العام للأمم المتحدة، حيث ذكر “إن مبادرة الحزام والطريق يمكن أن تنعكس فيها المبادئ الخضراء في العمل الأخضر للحفاظ على البيئة، ذلك أن “البلدان اليوم لا تحتاج فقط إلى الطرق المادية والجسور لربط الناس والأسواق”، بل إلى مستقبل نظيف وصديق للبيئة منخفض الكربون”، حسب تعبيره.
وهذا المؤتمر الذي نحن بصدده اليوم، يُعد فرصة هامة لتعزيز الروابط واستكشاف آفاق جديدة للتعاون بين الدول العربية والصين، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتمويل المناخي، بهدف بناء عالم أكثر استدامة ومرونة، مما يعطي المزيد من الزخم للنمو الأخضر العالمي ويُظهر التزام الصين القوي بالتعاون الدولي.
وأراقب بكل شغف ما تقوم به منطقة (نانشا) بكوانزو، خاصة مع تجربتها الفريدة للعالم، حيث قامت بإنشاء المنطقة التجريبية للاستثمار والتمويل المناخي، وعملت على صياغة مركز تمويل مناخي دولي. وقد أحدثت هذه التجربة طفرة في مجالات ذات صلة بالاستثمار والتمويل المناخي، وتبذل نانشا، جهودًا كبيرة وجادة لتعزيز ابتكار قواعد وآليات الاستثمار والتمويل المناخي، خاصة وأن التمويل المناخي يُعد جزءًا رئيسيًا من التمويل الأخضر المذكور في اجتماع العمل المالي المركزي للصين الذي عُقد في أوائل نوفمبر، كأحد القطاعات الفرعية الخمسة الرئيسية لبناء قوة مالية.
وهناك أمثلة عديدة لمشروعات مصرية صينية في مجالات الطاقة الكهرومائية والطاقة المتجددة تتم وتنتج طاقة نظيفة وخضراء، من خلال التركيز على آليات التمويل والاستثمار المبتكرة التي يمكن أن تدعم المشاريع الخضراء في إطار مبادرة الحزام والطريق، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان ويُعد أكبر مجمع محطات لتوليد الكهرباء النظيفة في الشرق الأوسط، ويهدف إلى توفير الاحتياجات من الطاقة الكهربائية للمواطنين وللمشروعات العملاقة، وهناك أيضاً مشروع لإنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء و210 آلاف طن من الهيدروجين الأخضر باستثمارات 6.75 مليار دولار بالمنطقة الصناعية بالسخنة على مساحة 500 ألف متر مربع.
كما كان التعاون المصري – الصيني من خلال مجموعة الصين والـ ٧٧، أحد الأسباب المهمة لنجاح مؤتمر المناخ COP27 الذى عُقد في مدينة شرم الشيخ، حيث كانت الصين داعماً في خروج المؤتمر بنتائج تاريخية، ومنها إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لتلبية متطلبات الدول النامية التي امتدت ٣٠ عاماً منذ نشأة الاتفاقية، واستكمال ترسيخ العلاقة الثنائية الاستثنائية من خلال العمل للخروج بإعلان كونمينغ – مونتريال للتنوع البيولوجي.
التجربة المصرية في إصدار السندات الخضراء:
أصبحت مصر منذ عام 2020، أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصدر سندات سيادية خضراء، وهو ما جعلها تصبح مصدراً لإلهام غيرها من دول المنطقة – ودول الأسواق الناشئة على نطاق أوسع – للتفكير في السندات الخضراء كحل مالي.
وتم اعتبار السندات الخضراء حلاً مالياً لتلبية الحاجة الملحة إلى استثمارات مستدامة بيئياً. وقد خصصت حصيلة بيع السندات لتمويل النقل النظيف، والطاقة المتجددة، ومنع التلوث ومكافحته، والإدارة المستدامة لمياه الشرب والصرف الصحي، وكفاءة استخدام الطاقة، والتكيف مع تغير المناخ. وتهدف رؤية “مصر 2030” إلى زيادة نسبة المشروعات الخضراء في الموازنة الاستثمارية للحكومة من 14٪ في 2020 إلى 30٪ في 2022.
ملاحظات ومقترحات:
في النهاية، فإنه على الرغم مما حققه التعاون الإعلامي بين الجانبين العربي والصيني، فإن هناك حاجة إلى البناء على ما تحقق، وذلك لمواكبة التطورات العديدة المتلاحقة التي تهم الجانبين. حيث يمكن هنا طرح الملاحظات والمقترحات الآتية:
أولاً: ضرورة زيادة التبادل الإعلامي وزيارات الوفود الإعلامية من الجانبين، ومن الأهمية بمكان أن تعمل الصين على زيادة الدعوات للإعلاميين والباحثين العرب المهتمين بالشأن الصيني لزيارة الصين والعمل على تبادل الثقافات.
ثانياً: ضرورة إطلاق مبادرة للشراكة الاستراتيجية لكافة وسائل الإعلام المشاركة في هذا المؤتمر، خاصة في إطار تعزيز التعاون الإعلامي البيئي لدول الحزام والطريق.
ثالثاً: ضرورة تعزيز التعاون بين الجانبين العربي والصيني في مواجهة التحديات الناجمة عن المخاطر المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والثورة المعلوماتية، ولاسيما مخاطر الذكاء الاصطناعي، عبر صياغة مبادرات مشتركة بين الجانبين لمواجهة تلك المخاطر.
ختاماً، أتوجه بالشكر لجميع القائمين على تنظيم هذا المؤتمر المتميز وعلى حُسن وكرم الضيافة، مع شكري الخاص لوكالة أنباء شينخوا صاحبة فكرة هذا المؤتمر.كلمة