مقالعام

احمد سلام  المستشار الإعلامي المصري السابق بالصين والخبير بالشأن الصيني يكتب

أمام المنتدى الثالث للحزام والطريق 2023، وفي الذكرى العاشرة للحزام والطريق

إنه لمن دواعي سروري المشاركة في هذه المناسبة الهامة والتى تتوافق ومرور 10 سنوات على الحزام والطريق هذه المبادرة العالمية التنموية الهامة.
وفي حقيقة الأمر، يُعد موضوع الندوة موضوعاً غاية في الأهمية خاصة بالنظر إلى
التحديات والمخاطر العديدة التي تواجه كافة دول العالم.
في بداية كلمتي أود التأكيد على أن العلاقات المصرية – الصينية علاقات متميزة وممتدة عبر التاريخ، وتُعد في الوقت نفسه نموذجاً للتواصل والتعاون والحوار في كافة المجالات، ويُنظر دائماً إلى جمهورية الصين الشعبية على أنها شريك موثوق به لتحقيق بناء رابطة المصير المشترك وأهداف التنمية الشاملة، وقد أثمر التعاون الصادق بين مصر والصين عن تعزيز العلاقات بين الدولتين.
لقد كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تعترف بالصين الجديدة، كما تُعد مصر من أوائل الدول التي استجابت لمبادرة “الحزام والطريق”، وذلك نظراً للعلاقات الوطيدة والمتجذرة بين مصر والصين عبر طريق الحرير القديم ومبادرة الحزام والطريق، بالاضافة إلى إيمان مصر وقيادتها بأهمية التكامل بين مبادرات التنمية المختلفة، لاسيما مبادرة الحزام والطريق، والتي تتسق مع أولويات التنمية الوطنية وأهداف رؤية مصر 2030 وأجندة تنمية وتحديث أفريقيا 2063.
طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق”، قبل عشر سنوات، وتحديداً في شهري سبتمبر وأكتوبر عام 2013، خلال زيارتين قام بهما إلى أندونيسيا وكازاخستان.
وتُعد مبادرة “الحزام والطريق”، والتي يُقصد بها (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)، من أهم المبادرات التنموية العالمية في القرن الحادي والعشرين، وهي إستراتيجية تنموية في إطار “دبلوماسية التنمية” التي تنهجها الصين، ومحور هذه المبادرة يقوم على مبدأ “المنفعة المتبادلة” والترابط والتعاون والمصالح المشتركة بين كافة دول العالم، وتهدف إلى بناء شبكة من التجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا على طول مسارات طريق الحرير التجاري القديم.
وفي هذا الإطار، كانت مصر سباقة بتفاعلها مع المبادرة، فنجد مصر قد قدمت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للعالم كمركز لوجيستي واقتصادي يساهم بقوة وفاعلية في تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقاً استثمارية رحبة في مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطاً تجارياً واقتصادياً وإنسانياً، يتكامل مع مبادرة “الحزام والطريق”، ويربطها بأفريقيا. وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن أولويات مصر التنموية تتفق ومبادرة “الحزام والطريق”، التي تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين دول المبادرة ومنها مصر، وتدعيم التنسيق فيما بين الدول الأعضاء في المبادرة والعمل على زيادة الاهتمام بمشروعات ربط المرافق بين هذه الدول، وتطبيق سياسات تساهم في زيادة حركة التجارة والتكامل المالي، بالإضافة إلى زيادة التواصل بين الشعوب من خلال تعزيز برامج التبادل الثقافي بين دول المنطقة. ولا شك أن المستوى المتقدم الذي وصلت إليه العلاقات الاقتصادية المصرية – الصينية يُعد ترجمة حقيقية لرؤية الرئيس السيسي التي تقوم على أساس تحويل كل المساعي والعلاقات الدولية لتصب في مصلحة الشعب المصري.
وقد شهدت العلاقات المصرية – الصينية طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث ظهرت في الأفق العديد من النتائج والطاقة الإيجابية التي جلبتها المبادرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، خاصة في إطار ارتباطها بـ “رؤية مصر 2030”. فمثلاً على المستوى الاقتصادي والاستثماري بين مصر والصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، نجد أن هناك العديد من الأرقام والحقائق، حيث تركزت الاستثمارات الصينية في مصر على المشروعات الصناعية بنسبة وصلت إلى (55%)، وفي مجال البناء وصلت (20%)، وفي قطاع الخدمات وصلت (19%).
وتحرص كل من مصر والصين على العمل في إطار بناء رابطة المصير المشترك بينهما والعمل أيضاً على تعزيز التنسيق لتنفيذ العديد من المشروعات في إطار منتدى التعاون الصيني – الأفريقي، وكذا الأعمال المشتركة للتعاون الصيني – العربي. وتعمل كل من القاهرة وبكين على تعميق التعاون في بناء “الحزام والطريق”، وكذلك الدفع بإنجاز مشروع السكة الحديدية القطار المكهرب “السلام – العاصمة الإدارية – العاشر من رمضان”، وتقوم به شركة “أفيك” الصينية بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار أمريكي تمول عبر قرض من بنك الاستيراد والتصدير الصيني يسدد خلال 20 عاماً. وتتولى “أفيك” تنفيذ أعمال الاتصالات والإشارات والتحكم بجانب تصنيع وتوريد القطارات لهذا المشروع، في حين تتولى خمس شركات مصرية تنفيذ الأعمال المدنية والإنشائية وتركيب السكة والقضبان، كما أن هناك لمسات صينية بارزة في منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة، ومنطقة العلمين التى اشتهرت بأبراجها التي ساهمت في إنشائها شركة سيسك CSCEC ومشروعات التعاون الكبرى بين الجانبين في منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري (تيدا) بمنطقة خليج السويس، والتي تُعد مشروعاً نموذجياً للتعاون في بناء “الحزام والطريق”. ومن أبرز المشروعات للتعاون نذكر قطاعات التصنيع والبناء وتكنولوجيا المعلومات، واستخراج النفط والغاز وتشارك العديد من الشركات مثل “سينوبك للبتروكيماويات” و”جيويشي” للألياف الزجاجية ومجموعة “نيو هوب” و”تشنخوا” للبترول، وشركة ((إكس دي – إيجيماك)) (XD-EGEMAC) ومجموعة شركة ((ميديا)) المحدودة، وكذلك شركات دولية من مصر والإمارات وكندا ودول أخرى.
وتسعى كل من القاهرة وبكين إلى توسيع التعاون في مجالات الاستثمار والتمويل والتحول نحو الطاقة الخضراء والصناعات الخضراء والتكنولوجيا المنخفضة الكربون والفضاء، والبحث عن مجالات جديدة للتعاون. ومن حُسن الطالع ونظراً لما تتميز به مصر من جو معتدل وآثار وحضارة، فقد أدرجت الصين مصر في قائمة الدول الأولى للمقاصد السياحية الأجنبية للمواطنين الصينيين، بما يعني أن أعداد السائحين الصينيين سوف تزداد في المستقبل. وكان حجم الاستثمار الصيني في مصر 560 مليون دولار أمريكي في العام المالي 2021-2022، بزيادة بلغت نسبتها 16% على أساس سنوي، وهو ما يمثل 6.3% من صافي تدفقات رأس المال الأجنبي إلى مصر.
وقد وصل عدد الشركات الصينية المسجلة والعاملة في مصر إلى أكثر من 1500 شركة باستثمارات تقترب من مليار دولار أمريكي، وتوفر الاستثمارات الصينية في مصر قرابة 30 ألف فرصة عمل مباشرة لأبناء مصر. وتتوزع الاستثمارات الصينية على عدد من القطاعات، منها 702 شركة في القطاع الصناعي، و432 شركة في القطاع الخدمي، و70 شركة في القطاع الإنشائي، و79 شركة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و47 شركة في القطاع الزراعي، و6 شركات بقطاع السياحة. كما أبرم البنك المركزي المصري مع بنك الشعب (المركزي) الصيني اتفاقية لمبادلة العملات في ديسمبر 2017، بمبلغ إجمالي 18 مليار يوان صيني مقابل ما يعادله بالجنيه المصري.
ختاماً، وفي ظل التحولات والوضع العالمي والذى تتبوأ فيه الصين موقعاً هاماً في العالم الجديد متعدد الأقطاب، والذى تمثل الصين فيه دولة قوية في العصر الجديد. فأتمنى أن تكمل الصين مسيرتها التي بدأت بالمصالحة السعودية الإيرانية وتسعى أيضاً بالقيام بمبادرات لإصلاح الصدع بين بعض الدول والتى بينها قضايا هامة ومصيرية، مثل قضية سد أثيوبيا والتي تؤثر على مصر وشعبها بشكل كبير وذلك في ضوء مشاركة مصر في مبادرة الحزام والطريق، وكذا في إطار انضمامها وأثيوبيا إلى مجموعة البريكس، إضافة إلى مساهمتها في العمل على حل قضايا النزاع في أفريقيا والوطن العربي وقضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين .
وانتهز هذه الفرصة لتهنئة الصين حكومة وشعباً بالاحتفال بمناسبة مرور عشر سنوات على المشروع الدولي الهام الحزام والطريق..

احمد سلام ..المستشار الاعلامى السابق فى جمهورية

الخبير فى الشأن الصينى