أخباراقتصاد عربي

نصر اكتوبر وسقوط اسطوره سوبرمان الاسرائيلي  بقلم : جمال طايع  

 

خمسون عاما بالتمام و الكمال مضت على نصر اكتوبر المجيد الذى يعد ملحمه من الملاحم التاريخيه التى سطرها عباقره الجيش و قادته ومعهم كل المصريون .. هؤلاء الذين استدعوا مهاراتهم القتاليه عبر الازمان المديده واستطاعوا خلال سنوات قليله ان يحولوا الهزيمه الى نصر محقق .. هذا النصر الذى سيظل معجزه حربيه بكل المقاييس و تتفاخر به الاجيال لما احدثه من تغييرات عميقه فى كثير من المجالات ليس على الصعيد المحلى و العالمى فقط بل لانه اعاد العزه و الكرامه للامه العربيه و ليسترد العرب كبرياؤهم و ثقتهم فى انفسهم .. كما كان له انعكاسات على صعيد العلاقات الدوليه و التى شهدت متغيرات فى نفوذ القطبين الذين كانا يتحكمان فى العالم وهما الولايات المتحده الامريكيه و غريمها الاتحاد السوفيتي .  

كما لم يكن ذلك الا نتاج التخطيط والاداء الاستراتيجى المبنى على العلم و كفاءه الاحتراف التى تمت بهم عمليه عبور قناه السويس وهو الامر الذى ادى فى نهايته الى القضاء على اسطوره السوبرمان الاسرائيلى الذى لا يقهر وازلاله و تحطيم معنوياته . 

ان نصر اكتوبر يعد احد اهم جولات الصراع العربى الاسرائيلي حيث استطاع المصريون ان يوقعوا اول هزيمه مريره و فادحه للجيش الاسرائيلي و ذلك من خلال المباغته العسكريه السريعه لتحقيق الاستراتيجيه المرجوه .. فالحرب التى استمرت 22 يوما والتى بدات فى السادس من اكتوبر و توقفت يوم 28 من نفس الشهر بعد وصول قوات حفظ السلام التابعه للامم المتحده لتشكل فاصلا بين الطرفين المصرى و الاسرائيلى بعد التوقيع على معاهده فك الاشتباك .. اسفرت عن قتل عدد يتراوح ما بين 8 الاف الى 10 الاف اسرائيلى و فقد اكثر من 303 جندى و قرابه 20 الف جريح و تدمير اكثر من 1000 دبابه و 372 طائره حربيه و حوالى 25 مروحيه و23 قطعه بحريه و نحو 1350 مدرعه و 1593 مدفعا . 

المهم فى كل هذا ان جيلا كاملا من المصريين لم يقدر لهم ان يعيشوا مراره الهزيمه والامها وزهوه النصر و حلاوته الا من خلال مشاهدتهم لها في الفيديو او الافلام او ما قرأوا عنها فى الكتب و الصحف و المجلات او ما تغنى به المطربون و المطربات او ان يعيشوا قصه الكفاح واجواء الاستعداد للحرب و كيف ان الشعب بكل طوائفه تحمل الكثير بصبر و قوه و عزيمه وعاش الاباء حياه قاسيه وكل هذا كان بسبب اخطاء الاخرين . 

فقد احتشدت كل جهود الدوله تحت شعار ” لا صوت يعلو على صوت المعركه ” وكان لشركات القطاع  العام العبأ الاكبر فى التحضير ليوم النصر و توقفت بذلك عمليات التنميه والاصلاح الاقتصادى التى كانت تسير فيه مصر بخطى سريعه وقاموا بانشاء التحصينات و الملاجئ و المطارات و الوحدات الهندسيه لصيانه الممرات التى دمرت عام 1967 .. كما ان هذه الشركات هى من اقامت حائط الصواريخ المضاده للطائرات و مخازن الزخيره فضلا عن قيامها بحفر عدد كبير من الخنادق و تعليه السواتر الترابيه لمواجهه العدو على طول امتداد خط قناه السويس . 

المهم ايضا ان نصر اكتوبر يعد معجزه الهيه و كأن الله رب العالمين شاء لهذا البلد الا ينكسر او تطول الامه فقد اذاق المصريون كل من شن الحرب عليه و شارك فيها من الاسرائيلين من نفس مراره الكأس الذي ارادوا ان نتجرعه و في حياتهم والا يهئنوا كثيرا بالنصر على المصريين . 

فها هى ” جولدا مائير ” التي تعد رابع رئيس وزراء لحكومه العدو الاسرائيلي و هى الوحيده التى تولت هذا المنصب نجد انها فكرت فى الانتحار بعد نصر اكتوبر و قالت عن الحرب انها كانت مأساه ستلازمها الى ان تموت كما اوضحت ان السفينه العسكريه الاسرائيليه كادت ان تغرق تماما وانها طلبت من الرئيس الامريكى نيكسون انقاذها . 

بينما ذكر ” موش ديان ” وزير الدفاع للعدو الاسرائيلى .. ان حرب اكتوبر كانت بمنزله زلزال تعرضت له اسرائيلى ولم نملك القوه الكافيه لاعاده المصريين للخلف مرة اخري فقد استخدم المصريون الصواريخ المضاده للدبابات و الطائرات بدقه شديده فالحرب اثبتت للعالم اننا لسنا اقوى من مصر . 

اما ” ديفيد بن جوريون ” احد مؤسسى الدوله الصهيونيه الذى توفى فى اول ديسمبر 1973 اي بعد نصر اكتوبر بشهرين فقط فانه لم يقل شيئا قبل ان يموت غير انه رأى كل شئ ينهار من حوله واصيب بنزيف في المخ عندما شاهد وهو في قلب مستعمرته فى صحراء النقب اسرائيل و هى تسحق في ايام قلائل نتيجه لزلزال اكثر وحشيه ثم راح يتابع سقوط اسرائيل الحاد و هى تهوى من علوها الشامخ الذى كانت قد اطمأنت اليه و تقع فى اسفل السافلين . 

في حين ذكر ” ديفيد اليعازر ” رئيس اركان العدو الاسرائيلي انه لا شك ان السادات حقق مبتغاه بشكل كامل فقد فاجأ اسرائيل كما لو ان شخص ما اسقط سروالها عنها . 

و كشف ” ابا ايبان ” وزير خارجيه العدو الاسرائيلى خلال فتره الحرب عن ان متغيرات كثيرحدثت منذ السادس من اكتوبر لذلك ينبغى الا نبالغ فى مسأله التفوق العسكرى الاسرائيلي .  

فاذا كانت هذه هي بعض شهادات القاده الاسرائيليون فان صاحب الفرح وهو الرئيس انور السادات فقال لست اتجاوز اذا قلت ان التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص و الدرس امام عمليه السادس من اكتوبر حين 

تمكنت القوات المسلحه المصريه من اقتحام مانع قناه السويس الصعب واجتياح خط بارليف المنيع واقامة رؤوس جسور لها على الضفه الشرقيه من القناه بعد ان افقدت العدو توازنه فى ست ساعات . 

على الجانب الاخر كان للصحافه العالميه و الاسرائيليه رؤيتها الخاصه للاحداث .. فصحيفه ” ها ارتس ” الاسرائيليه قالت ان صفارات الانذار التى دوت فى الساعه الثانيه الا عشر دقائق ظهر السادس من اكتوبر 1973 كانت تمثل فى معناها اكثر من مجرد انذار لمواطنى اسرائيل بالنزول الى المخابئ حيث كانت بمثابه الصيحه التى تتردد عندما يتم دفن الموتى و كان الميت هو الجمهوريه الاسرائيليه الاولى وعندما انتهت الحرب بدأ العد من جديد و بدأ تاريخ جديد يكتب .. فبعد ربع قرن من قيام دوله اسرائيل بدت اعمده و دعائم اسرائيل القديمه حطاما ملقى على جانب الطريق .. 

بينما قالت ”  معاريف ” الاسرائيليه ايضا ان حرب اكتوبر مثلت جرحا غائرا فى لحم اسرائيل القومى . 

في الوقت الذى اكدت فيه  وكاله ” رويترزالامريكيه ان حرب اكتوبر تعد الاكثر ضراوه التى شنت منذ 1948 وكان واضحا ان الاسرائيليون خسروا المبادره . 

واعربت مجله ” نيويورك ” الامريكيه عن دهشتها بما شاهده مراسليها من حطام منتشر على رمال صحراء سيناء لكل انواع المعدات الاسرائيليه من دبابات و مدافع وعربات و طائرات واحذيه متروكه خلفها ورائهم الاسرائيليون وغسيلا للملابس تم نشرها على خط برليف . 

واكدت صحيفه ” التايمز ” البريطانيه ان الاسبوع الاول لحرب اكتوبر كان اسبوع تأديب وتعذيب لاسرائيل وواضح ان الجيوش العربيه تقاتل بقوه وشجاعه وعزم كما ان الاسرائيلين تملكهم الحزن و الاكتئاب .. وان هذه الحرب محت شعور الهوان عند العرب و جرحت كبرياء اسرائيل . 

و ذكرت صحيفه ” الفيجارو ” الفرنسيه ان حرب اكتوبر اطاحت بنظريه الحدود الامنه كما يفهمها حكام تل ابيب بعد ان اثبتت ان امن اسرائيل لا يمكن ان يستقر بالدبابات و الصواريخ وانما بتسويه سلميه وعادله توافق عليها الدول العربيه . 

وهكذا يتبين لنا ان حرب اكتوبر ستظل معجزه الحروب وكما قال الرئيس السادات ان التاريخ العسكري سيتوقف طويلا بالفحص و الدرس امامها