ايمان الواصلي
أكثر من 900 مشارك من خبراء المال والإقتصاد والبنوك والتأمين يبحثون مستقبل أنظمة التقاعد فى المنطقة العربية
510مليار دولار حجم أصول صناديق التقاعد فى دول الخليج وتمثل 25 % فقط من ناتجها المحلى الإجمالى
مصر بلد كبير به أعرق أنظمة التقاعد عربيا وإقليميا والتى يمكنها أن تلعب دورا مؤثرا فى نمو وإزدها إقتصادها
تنفرد ” رجال ا لاعمال” بلقاء ابراهيم خليل أحد أبرز رجالات الأعمال العرب ، وأحد أبرز المحبين والعاشقين لمصر حيث نظم على أرضها 4 مؤتمرات إقليمية كبيرة تصب كلها فى إقتصادنا العربى ومجتمعاتنا العربية ، مستهدفا من أعماله التى يقوم بها نشر الثقافة المالية ، ودعم إتجاه الحكومات والمؤسسات العربية للشمول المالى لمواجهة التحديات العالمية الخطيرة التى بدأت تطل برأسها وأصبحت تشكل تحديا كبيرا لعالمنا العربى . اللقاء مع إبراهيم خليل تم أثناء زيارته السريعة لمصر لوضع الترتيبات النهائية للمؤتمر العربى للإدخار والثقافة المالية فى نسخته الثالثة بالتعاون مع رعاة وداعمى المؤتمر على أرض مصر وعلى رأسهم البنك المركزى المصرى ، ووزارتى المالية والتضامن ، وهيئة الرقابة المالية ، والبورصة المصرية ولفيف من منظمات المجتمع المدنى فى مصر وعدد من رؤساء شركات التأمين .
إبراهيم خليل لمن لايعرف هو المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة البحرينية “فينتك روبوز” لتطبيقات الادخار والتقاعد، وهو مشروع يهدف إلى إطلاق مؤسسة مالية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لخدمات الإدخار والتقاعد ، وقد تولى فى السابق العديد من المناصب والمسئوليات نذكر منها فقط على سبيل المثال وليس الحصر أنه شغل عضوية مجلس إدارة شركة ” تقاعد ” البحرينية التي تملكها مجموعة كيبكو الكويتية، بعد أن أمضى أكثر من6 سنوات في الإدارة التنفيذية للشركة المتخصصة في خدمات ومنتجات التقاعد الخاص. انضم ابراهيم خليل لــ ” تقاعد ” قادما من شركة الثريا للاتصالات الفضائية التابعة لمجموعة “إتصالات” الإماراتية حيث شغل منصب نائب الرئيس الأول للتسويق وأمين عام الشركة ، ومسؤولًا عن تسويق خدمات ومنتجات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في أكثر من 140 دولة، حيث بقي في هذا المنصب لمد 12 عاما ، وقبل ذلك شغل مناصب تسويقية رئيسية في شركة الإتصالات الوطنية في البحرين “بتلكو” لمدة 9 سنوات، وكان أيضا أحد أبرز أعضاء الإدارة التنفيذية للمجموعة العربية للتأمين “أريج” لمدة 3 سنوات .
سألته “رجال الاعمال ” بشكل مباشر : ماهى رؤيتك الإقتصادية ؟
وكانت إجابته واضحة جلية تجسد رغبته الدفينة فى دعم الإقتصادات العربية من خلال التفكير الخلاق خارج الصندوق والحلول الإبتكارية حيث قال صراحة : لابد أن نعترف بأن منطقتنا العربي تعاني من غياب كبير لسلوك وثقافة الإدخار، وجزء كبير من تلك المشكلة يكمن فى عدم وجود التقنيات والمعرفة الرقمية لإدارة أعمال منتجات الإدخار والإستثمار، لاسيما بالنسبة لشريحة زبائن التجزئة ، وهذه التقنيات لا تتوفر إلا في عدد قليل من الأسواق المتقدمة وبأسعار وشروط باهظة. ولتغيير هذا الوضع فى منطقتنا ــ يقول إبراهيم خليل ــ كان لزاما أن نخوض تجربة بناء الحلول والمعرفة التقنية لهذا القطاع، وكوني وبعض زملائي من الذين خاضوا تجربة خدمات الإستثمار والتقاعد الخاص ولدينا الخبرة في تصميمها وتشغيلها وإدارتها، فقد كان مناسبا لنا جدا خوض هذه التجربة، حيث إلتئمنا جميعا في تأسيس وبناء “فينتك روبوز” التي تستطيع حلولها اليوم أن تدعم أعمال المصارف (فيما يتعلق بتقديم منتجات إدارة الثروات والإستثمار)، وشركات تأمين الحياة، وشركات إدارة الأصول ومستشاري الإستثمار، وهيئات التقاعد الحكومية وصناديق التقاعد التكميلية الخاصة “أنظمة إدخار وتقاعد الموظفين” فيما يخص بتقديم منتجات الإدخار والإستثمار وإدارتها عبر الحلول الرقمية. واليوم شركة فينتك روبوز بإمكانها أن تقدم حزمة من الحلول والتطبيقات المتكاملة (applications and interfaces) في صندوق رقمي لأي مؤسسة مالية أو إستثمارية تريد أن تقدم خدمات الإدخار والإستثمار والتقاعد.
ويستطر إبراهيم خليل بقوله : غياب ثقافة الإدخار والحماية والتخطيط المالي في الدول العربية لم يجعلنى أتوقف فقط عند إنشاء شركة لبناء الحلول الرقمية لهذه الصناعة فحسب، لكننى اهتممت وبشدة بضرورة السعى لخلق وعي مؤسسي وشعبي لأهمية الإدخار ، والإدخار بشكله الصحيح عن طريق الأوعية الملائمة للإستثمار طويل المدى، وأهمية بناء الأطر والبنى التحية الواسعة والمتنوعة لقطاع التقاعد بما يحقق الأمن التقاعدي للمواطنين والمقيمين وبما يسهم في نمو الإقتصادات المحلية ، وقد تم ترجمة تلك الأفكار والطموحات على أرض الواقع من خلال المؤتمر العربى للتقاعد والتأمينات الاجتماعية والذي يتقدم في نسخته السابعة هذا العام، والمؤتمر العربي للإدخار والثقافة المالية فى نسخته الثالثة والذى ستحتضنه القاهرة أكتوبر المقبل ، والمؤتمر العربي الأول للإكتواريين والذى استضافته مصر أيضا على أرضها ، ومؤتمر الشرق الأوسط لإدارة الثروات والمستشار الآلي (Robo Advisor)، وكلها فعاليات مالية جديدة لم تطرق سابقا في بلادنا العربية .
وبسؤاله عن مردود هذه المؤتمرات والقيمة المضافة التى تصنعها .. قال خليل : تضيف قيمة كبيرة لأجندة المؤتمرات والمعارض المالية في المنطقة، كما تسهم في وضع مواضيع الإدخار والثقافة المالية وأنظمة التقاعد وبناء القدرات الإكتوارية على أجندة المعنيين من أصحاب صنع السياسات المالية والإجتماعية وصنع القرار.
لماذا اخترت مصر ركيزة لتنطلق منها هذه المؤتمرات الكبيرة ؟
كان ذلك هو السؤال ، لكن الرجل ابتسم وبتواضع شديد قال : السوق المصري أغراني ووقعت في حبه من النظرة الأولى. كنا في البدايات ننظم فعالياتنا في مملكة البحرين بصفتها بلدنا الأم ونلقى فيها كل الدعم والتسهيلات من الجانب الرسمي والصناعة المالية عموما. وقبل حوالي 5 سنوات، قبل أزمة الكورونا، إقترح علي أحد الإخوة المسؤلين في مصر من كبار المتخصصين في التأمينات وكان يشارك ويدعم المؤتمر العربي للتقاعد بإنتظام أن نفكر في تنظيم هذا المؤتمر في مدينة شرم الشيخ، وظلت هذه فكرة عالقة في بالنا. وبعد إنجلاء جائحة كورونا تواصلنا مع بعض مجددا وقمنا بالتنسيق لعقد المؤتمر في مدينة شرم الشيخ كما خططنا وكان فعلا من أنجح المؤتمرات العربية التي قمنا بتنظيها وكانت هناك مشاركة قوية داعمة لنا من الهيئة القومية للتأمين الإجتماعي في مصر برئاسة اللواء جمال عوض، رئيس مجلس إدارة الهيئة. تلك التجربة الأولى في مصر في الواقع أغرتني للتفكير في مزيد من التواجد والأنشطة في السوق المصري لأنها أتاحت لنا أشياء عديدة ربما لا تتوفر في بعض بلداننا الخليجية منها حجم السوق من حيث عدد السكان وعدد المؤسسات المالية، ومن حيث تاريخ وعمق وطول تجربة مؤسسات التأمين الإجتماعي والتأمين التجاري والمؤسسات المالية عموما في ريادتها التاريخية المعروفة على المستوى العربي، وإهتمام المصريين بالتعلم والإستزادة المعرفية عموما ضمن جهودهم لبناء وتطوير وظائفهم، كل ذلك عناصر حيوية لنجاح أنشطة المؤتمرات والمعارض. وبناء على نجاح مؤتمر شرم الشيخ في إكتوبر 2022ــ قال خليل ــ قمنا بتخطيط 3 مؤتمرات أخرى في مصر، أولها المؤتمر العربي للإكتواريين 2023 في القاهرة والذي شهد نجاحا مشرفا بكل المقاييس في يونيو الماضي، ثم المؤتمر العربي الثالث للإدخار والثقافة المالية والذى سينعقد في إكتوبر القادم في القاهرة ، ويليه بإسبوع في مدينة الأقصر المؤتمر العربي السابع للتقاعد والتأمينات الإجتماعية.
في بداية اللقاء.. أشرتم إلى أنكم إنطلقتم في هذا المجال بناء على شغفكم بالقوة الكبيرة لأنظمة التقاعد على تحقيق التحول الإقتصادي. ماذ كنتم تعنون بالضبط؟.
أجاب ابراهيم خليل بصراحته المعهودة قائلا : أنظمة التقاعد فضلا عن أنها تعطي للفرد والعائلة الحماية الإجتماعية والإستقرار المالي والحياة الكريمة المعززة عند الشيخوخة أو في حال المرض والعجز لا قدر الله، إلا أنها أيضا قوة جبارة في خلق قوة رأسمالية هائلة ومحركة للإقتصاد ، حتى أنه يقال في السياق الإقتصادي أن أموال صناديق التقاعد بجوانبها المختلفة تمثل نصف الأموال في العالم. هذا يعني أن الشركات والإقتصادات المحلية تعتمد على إشتراكاتنا التقاعدية وأصولها في التأسيس، وبذلم فإن صناديق التقاعد لها رأي مهم في كيفية إدارة الشركات بصفتهم مساهمين ويمكنهم التأثير على طريقة إدارة تلك الشركات.
عالميا وفي منطقتنا كذلك ــ يقول ايراهيم خليل ــ فإن كل هذه المصارف وشركات التأمين والمصانع الكبرى للألمنيوم والحديد والبتروكيماويات وشركات الغداء والأدوية والزراعة التي نراها في بلداننا إذا ما فتشنا فيها فسوف يتبين لنا أن أموال صناديق التقاعد كانت جزأ مهما من رأسمال تأسيسها قبل 100 أو 50 عاما من اليوم، ولذلك فإن أصول أنظمة المعاشات التقاعدية هي ثروة يجب تنميتها وتسخيرها في الأوجه الصحيحة ضمن سياسات إقتصادية مالية حصيفة، يمكنها أن تمول التجديد في البنية التحية والإسكان والطاقة المتجددة وتخلق مؤسسات ووظائف جديدة. وبشيء من الدراسة الإقتصادية والسياسات الإستثمارية الصحيحة فإنه بإستطاعتنا تحويل صناديق التقاعد إلى قوة رأسمالية، بمعنى تمويل المشاريع الوطنية الكبرى المبنية على الأسس الإقتصادية والإستثمارية الصحيحة.
يختتم ابراهيم خليل حديثه بقوله : صناديق التقاعد هذه لها مزايا هائلة على الاقتصادات العربية إذا ما فكرنا للحظة في المكان الذي يتم فيها استثمار هذه الأموال. خليجيا، تشير الدلائل إلى أن حوالي 50 ٪ منها يتم تخصيصه محليًا، جزئيًا في حسابات منخفضة العائد، فيما يتم إرسال الباقي إلى الخارج لاستثماره في أسواق راس المال وفرص الإستثمار الدولية، لأن صناعة الإستثمار لا تزال عندنا محدودة وغير مطورة ولا توجد سوقا كافية لاستثمار الأصول محليًا! تصور لوأن 30 إلى 50 % من أصول صناديق التقاعد الإقليمية الضخمة تم استثمارها محليًا،فماذا يمكن أن يعني ذلك لإقتصادات المنطقة وما هي الفوائد المتوقعة؟
نقطة جوهرية أخرى حول أنظمة التقاعد العربية وسبل تنميتها .. ينوه عنها ابراهيم خليل وهي أن في جميع الأسواق المتقدمة تقوم أنظمتها التقاعدية على ثلاث دعامات: التأمين الإجتماعي (الذي تقدمه الهيئات الحكومية) كدعامة أولى، صناديق التقاعد الخاصة التي توفرها الشركات والمؤسسات لموظفيها كدعامة ثانية، والدعامة الثالثة تشمل خطط ادخار شخصية إختيارية للأفراد. إلا أنه وبشكل إجمالي فإن الإطار الثلاثي للنظام التقاعد (three-pillar pension system) غير مطبق حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا يعني مشكلتين: الأولى أننا نعرض أنظمة الحماية الإجتماعية في دولنا لأخطار عدم الإستدامة بمختلف أوجهها وهو أمر مقلق، والثانية أننا بتعطيل دعامتين كبيرتين من الدعائم الثلاث التي تبنى عليها أطر الحماية الإجتماعية حسب الممارسات الدولية، فإننا أفقدنا وإلى احد كبير أنظمتنا التقاعدية من قوتها الرأسمالية الإستثمارية، حيث أننا إكتفينا بأصول دعامة واحد عليها إلتزامات وطنية كبيرة قد لا تسع أصولها لدعم أوجه الإستمثار في قطاعات الإقتصاد المحلي ، مضيفا بقوله أن الأمر الذي يؤشر على هذا الغياب هو أن مجموع أصول صناديق التقاعد في دول الخليج حاليا (حوالي 510 مليار دولار أمريكي) وتمثل 25٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي لها، في حين أن كثيرا من البلدان المتقدمة، تعادل أصول التقاعد 100٪ أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي، ولذلك فإن الأمر لا يتعلق بمسألة “هل” ولكن “متى” يكتسب التفكير الإصلاحي لانظمة التقاعد زخمًا في إدراك أن موظفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجة إلى الادخار (عبر الركيزة الثانية) أو ما يسمى بصناديق التقاعد التكميلية.