أخباراقتصاد عربيعام

النقطة ……..العمياء

 

بقلم حسام يوسف

داخل عقل كل منا حكايات وأحلام تحتاج إلى ألف عام لكى تنتهى وبين كل فترة وأخرى يمر نفس السؤال أمام عقلى : هل تستطيع محاربة الدنيا ؟

   ولم يعد هناك ما يسمى بالعقل فى وقت تميز بالتحيز والازدواجية والتبرير لفعل الشىء بلا هدف وبلا تخطيط ، وقت أصبح فيه العلم رمزا ليس أكثر من ذلك ، وقت يستطيع فيه الأمعة والتافه وناقص الحيلة والخبرات ومن يمتلكون القدرة على تحويل مسارات الأحداث لصالحهم أن يتفوقوا ، بل ربما يصبحوا يوما ما فى ذلك الوقت ذو نفوذ أو أطلاع دون رؤية ودون سمة ودون صفة إلا أنهم أبناء هذا الوقت
   ثم يأتى زمنا تصبح فيه الفضيلة ذنبا والقيم شذوذا عن الواقع والأخلاق تمارس سرا وينقلب الحال إلى أسوأ مشهد يمكن أن يتخيله عقلك ، وذلك كنتيجة طبيعية لما تم ممارسته وإدخاله كمدخلات لعقول اجيال بأكملها عبر عمليات فاشلة قبيحة غير متزنة وغير مدروسة تحكمها عقول تغليب المصلحة الشخصية على اى شىء ومن ثم نحصل على مخرجات باهتة قميئة حقيرة متدنية سوف تمثل فيما بعد أسلوبا للحياة ونمط من أنماط التفكير والسلوك الموجه .
   ذات يوم حلمت بأن هناك يوما سيأتى نرى فيه ضحكة أطفالنا تدور حولنا دون أن نشعر بخوف من مجهول يتربص بنا أو شرا يحيط بنا ، مستقبل واضح غير مغلف بطبقات سميكة من القلق والتوتر النفسي والاجتماعي والثقافي فى كل حين ، غد يحمل معه شعلة من النور تنير طريقا لأجيال وأجيال ويمحو ما دونه ، شمس قد تشرق بلا غروب .
   وفى وسط نفاق ورياء وكذب وغش وعدم أمانة تنتهى قيم وفضائل واخلاقيات تعلمناها حين كنا صغارا ، نخاف من غد لا نعلم عنه شيئا ولا ملامح له ، وعلى الرغم من كم الكذب والرياء مازال هناك عقل به إدراك ، ويأتى السؤال الذى لا إجابة له : إلى متى ذلك ؟ .
ولعل المثير فى الأمر أن المستقبل مجهول للجميع سواء هؤلاء أو هؤلاء ، مجهول حقا ، كل شىء قابل للتغيير فى لحظات ولم يعد هناك أمرا حتميا ، وأصبحت الحتمية مع مرور الوقت أمرا مرفوضا وتغير معناها مع الزمن إلى التعايش والتكيف إلى حين ، ومع تطور الكلمات واستحداث المفاهيم اصبحت كلمة البديل متواجدة بقوة وتفرض نفسها على الأمور وحولت الأمر إلى صراع بين ما هو تقليدى وما هو مستحدث ، وأصبح الأمر فى النهاية صراع شئت ام ابيت ، عليك أن تلهث بانفاسك حتى تستطيع الإدراك ، فقط الإدراك 
   ولم يعد فى وسعنا إلا أن ننظر إلى الغد المجهول ، وننظر إلى ضحكة اطفالنا ونشرد فى التفكير ، كيف سيكون الغد ؟ 
   هل سنعلم نسلنا أن هناك نفاق ورياء وكذب وغش ام سنعلمهم قيم ومبادئ واخلاقيات لن يستطيعوا بها فقط مواجهة هذا الكم من الانحطاط ؟ 
   هل سنعلم نسلنا تجاربنا التى بدأت وانتهت وتجاربنا التى ألت إلى صراعات لم ولن ينتهى حتى لحظة الموت ؟ 
  إن نظرة الطفولة البريئة التى تتسم بالعفوية والبساطة وحب الحياة هى ما تجعلنا نصبر ونحتمل ونواجه ونتحدى وننهزم وننكسر وننتصر ونقاوم ونفكر ونسعى ونضحك ونتألم .
   وفى ظل تلك الحقبة الزمنية والتى تعج باللامعقولية وعدم منطقية الأمور عليك أن تجد سبيلاً لبناء نقط على ذلك الطريق لأجيال قادمة ربما كانت كل المقدمات المتواجدة لهم سيئة وغير جيدة وغير مقبولة , تلك الأجيال التى ربما أصابها العجز والوهن قبل أن تبدأ فى الحياة نتيجة تلك الترهلات العقلية والتقادم الفكرى المتواجد فى بعض المجتعات وصعوبة تقبل التغيير بل رفضه قبل بدايته , لست متشائماً ولا متفائلاً فتلك الأمور مع تحليل السلاسل الزمنية المترابطة لا تعنى شيئاً على الإطلاق .
   وأصعب لحظة فى حياة الإنسان هى لحظة وصوله إلى النقطة العمياء , تلك النقطة التى لا يراها أحد إلا صاحب هذه النقطة فى لحظة هى الأشد خطورة فى حياته , لحظة تتوالى فيها مشاهد حياته البعيدة بسرعة تفوق سرعة عقله وأدراكه , سرعة لم يتوقع حدوثها ولا توقيت حدوثها , لحظة مفاجئة من التشتت والتشويش وعدم الإدراك وإنعدام الرؤية وفقدان القدرة على ربط سلاسل الأحداث والصمت , لحظة أشبه بالموت المؤقت يتوقف فيها العقل عن العمل فى الحاضر ورؤية المستقبل وإسترجاع الماضى , لحظة يذهب فيها العقل بكل طاقته وقوته إلى أبعد نقطة ممكنة من الماضى السحيق داخل ذاكرة الإنسان
   وربما تداخلت تلك المشاهد القديمة فى رحلة التشويش والتشتت الذهنى لدى الفتى الصغير حين استمع الى صوت الناى الحزين مع ايقاع ذلك الدف ، فذهب سريعا إلى المرأة ليرى ملامحه التى غيرها الزمن ومازلت تتغير ، على ما يبدو أنه مازال يبحث عن شىء لم يجده حتى الآن .
   ولم يدرى ذلك الفتى الصغير سر تلك المشاهد التى يراها فى ذلك التوقيت ، النهر والرجل العجوز والحديقة المجاورة للمنزل القديم ذو الباب الخشبى المكسور ، وفى السماء يرى الشمس والقمر متقاربان ، كما كان يراهما صغيرا عند البحر القديم ، احيانا يتحدث العجوز واحيانا اكثر صامتا ينظر إليه وكأنه ينتظر حديثه ، وحين يتحدث العجوز يبتسم وينطق كلاما مختلفا كل مرة .
   اليأس هو بداية النهاية لعقلك ، مهما كانت التضحيات والعقبات التى تواجهها فى حياتك ، لابد وأن تجد طريقا لعقلك