أخباراقتصاد عربيبورصةتأمين
لجنة التأمين متناهي الصغر بالاتحاد تدرس تصميم منتجات تأمينية جديدة مناسبة لعرضها على الرقابة المالية
ايمان الواصلي
تدرس اللجنة العامة للتأمين متناهى الصغر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالاتحاد المصرى للتأمين تصميم منتجات تأمينية جديدة تناسب هذه الطبقة ودراسة الوثائق التي تتفق مع الاتجاهات الحديثة، وقد أعدت اللجنة ورقة عمل مقترحة لتطبيقات التأمين متناهي الصغر بجمهورية مصر العربية ، ويقوم هذا المقترح على استخدام الأنظمة والتطبيقات الحديثة والمختلفة كمنظومة لتوزيع المنتجات وتحصيل الأقساط وسداد التعويضات في التأمين متناهي الصغر، حيث تمهد اللجنة لعرضه على الهيئة العامة للرقابة المالية.
وشهد التأمين متناهى الصغر ، أو التغطية التي تستهدف الأفراد المحرومين ماليا أو ذوي الدخل المنخفض ، نموا ملحوظاً على مدى العقد الماضي ، وقد تستحق نماذج التوزيع المتغيرة منا الكثير من الاهتمام، ولكن ما الذي يمكن أن تضيفه هذه النماذج للصناعة بشأن سد فجوة التأمين التي استمرت حتى أثناء الوباء؟ تؤكد ابتكارات التأمين الجديدة التي أثارتها جائحة كوفيد19 فقط على المحاولات المستمرة للوصول إلى المجتمعات غير المؤمن عليها. و يقدم تطور نماذج التوزيع في التأمين متناهى الصغر دروسًا مهمة لجميع شركات التأمين التي تسعى إلى سد فجوة التأمين المستمرة.
وتشير التقديرات الأخيرة الصادرة عن شبكة التأمين متناهى الصغر Microinsurance Network إلى أن أكثر من 280 مليون شخص على مستوى العالم مشمولون بالتغطية بوثيقة تأمين متناهي الصغر واحدة على الأقل. يبدو هذا النمو مشجعاً ، لكنه لا يزال يمثل جزءا صغيرا من تقديرات السوق العالمية البالغة 4 مليارات عميل محتمل.
وقد يكون الوصول إلى الأفراد ذوي الدخل المنخفض أمرا صعبا بشكل خاص نظراً لأن معظمهم يعيش في المناطق الريفية وغالبا ما يفتقر إلى فهم التأمين ، ويرى أن منتجات التأمين معقدة للغاية أو باهظة الثمن. و تخلق هذه الحواجز الحاجة إلى الابتكار ، لا سيما في توزيع المنتجات وإدارتها. ونظرا لانخفاض هوامش الربح، تحتاج شركات التأمين إلى الدخول في شراكة مع شركات تجميع aggregatorsأو قنوات ذات بصمة كبيرة في تحقيق وفورات الحجم.
و لمعرفة إلى أين يتجه التأمين متناهى الصغر وقياس إمكاناته وقدرته على المساعدة في سد فجوة الحماية، نحتاج أولا إلى فهم مسار تطوره بما فيه من نجاحات وعثرات. فقد مر تطور التأمين متناهي الصغر من خلال ثلاث مراحل؛ يكشف كل منها عن دروس قيمة حول إمكانية الوصول إلى العملاء ذوي الدخل المنخفض والذين يعانون من نقص خدمات التأمين أو غير المؤمن عليهم. و لنبدأ بالعودة إلى الأساسيات واستكشاف نماذج التوزيع التي ظهرت في كل مرحلة، فتتمثل المرحلة الاولى فى نماذج التوزيع الأولية، حيث نما الاهتمام بالتأمين متناهى الصغر بسرعة في بداية العقد الماضي بعد انتشار التمويل متناهى الصغر في الأسواق الناشئة. ومع تمكين المستهلكين المحرومين من الوصول إلى القروض والخدمات المصرفية الأخرى من خلال مؤسسات التمويل متناهى الصغر microfinance institutions (MFIs)، ظهر الطلب على التأمين حيث رأت مؤسسات التمويل متناهي الصغر الحاجة إلى حماية القيمة الدفترية القروض. و غالبا ما كان تأمين الائتمان على الحياة جزءاً لا يتجزأ من القروض الصغيرة ، على الرغم من أن العملاء نادراً ما يفهمون الشروط أو كيفية عمل التأمين من حيث الممارسة العملية. ففي الواقع ، اعتقد معظم العملاء أن التأمين هو شرط للحصول على القرض ، مما أدى إلى انخفاض معدلات المطالبات. وعلى الرغم من اتخاذ خطوات متضافرة لزيادة فهم العملاء للتأمين، إلا أن معظم مؤسسات التمويل متناهي الصغر كانت بطيئة في تجاوز المنتجات الإلزامية (التي عادة ما تكون جزءا لا يتجزأ من القروض) إلى المنتجات الطوعية التي توفر قيمة أفضل للعملاء.
وإلى جانب مؤسسات التمويل متناهي الصغر، اعتمدت نماذج التوزيع المبكر للتأمين متناهى الصغر أيضا على المنظمات المجتمعية مثل التعاونيات والنقابات العمالية والمؤسسات الخيرية. و عادة ما يكون لهذه المؤسسات التقليدية مهمة اجتماعية قوية ، فهي معروفة على نطاق واسع وموثوق بها في المجتمعات ذات الدخل المنخفض. كما أنها تمتلك قاعدة كبيرة من الأعضاء وغالبا ما تكون لديها بنية تحتية لتسهيل إدارة الوثائق. وتشير الدراسات التي أجريت في مختلف الأسواق الناشئة إلى أن مؤسسات التمويل متناهي الصغر والمنظمات المجتمعية ظلت أكثر قنوات التوزيع السائدة للتأمين متناهى الصغر.
وعلى الرغم من فوائد القنوات التقليدية ، فإن وجود بعض القيود مثل نقص الوعي و الثقافة التأمينية ، وصعوبة التحول نحو المنتجات الطوعية ، والقيود التنظيمية قد أعاقت قدرة التأمين متناهى الصغر على التوسع إلى الحد المأمول.
وتمثل المرحلة الثانية، فى نماذج التوزيع المتطورة، حيث أدى التقدم السريع في تكنولوجيا الهاتف المحمول في الأسواق الناشئة إلى خلق فرص لنماذج توزيع جديدة وتغيير كبير في مشهد ونمو التأمين متناهى الصغر. فعلى سبيل المثال، أفادت التقارير أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا تمتلك اقتصاد قائم على استخدام الهاتف المحمولmobile economyو يعد الأسرع نموا في العالم، حيث ارتفع معدل انتشار الهاتف المحمول من 280 مليون مشترك في عام 2012 إلى أكثر من 456 مليون مشترك في عام 2019. ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 623 مليون مشترك في عام 2025 (حوالي نصف مجموع سكان إفريقيا).
و مع وجود الملايين من المشتركين ، أصبح لدى شبكات التوزيع القائمة على الهاتف المحمول فرصاً قوية للتوسع ، مستفيدة من ثقة المشترك في كل علامة تجارية لمشغل شبكة الهاتف المحمولMobile Network Operator (MNO) وبالإضافة إلى ذلك ، أتاح استخدام قنوات الهاتف المحمول منخفضة التكلفة نسبيًا إمكانية الوصول إلى العملاء الأفقر والأكثر بعدًا. من خلال تكنولوجيا الهاتف المحمول ، و أمكن لمشغلي شبكات الهاتف المحمول أن تسهل بشكل فعال العمليات المختلفة من المدفوعات إلى الإدارة وخدمة العملاء. وتشير تقارير رابطة ” جى إس إم إيه ” GSMA أن هناك حاليًا 102 خدمة تأمين تعمل على الهاتف المحمول في 27 دولة. ومن المثير للاهتمام ، أن عمليات الانتشار المبكرة للتأمين متناهى الصغر من خلال شبكات الهاتف المحمول كانت مدفوعة من قبل شركات التأمين التي تتطلع إلى التوسع بين العملاء المنتمين شريحة الدخل المنخفض ، ولكن عمليات الانتشار الأخيرة كانت مدفوعة إلى حد كبير من قبل مشغلي شبكات الجوال الذين يسعون إلى زيادة ولاء العملاء في أسواق شديدة التنافسية.
و خلال العقد الماضي ، شهد السوق أيضًا ظهور شركات وساطة التأمين متناهى الصغر تعتمد أساساً على استخدام الهاتف المحمول. وتتميز تلك الشركات بفهمها لصناعة التأمين –و هي المعرفة التي يفتقر إليها العديد من مشغلي شبكات المحمول–كما تعرف العملاء ذوي الدخل المنخفض الذين يشكلون السوق المستهدفة ، وهي المعلومات التي تفتقر إليها شركات التأمين. نتيجة لذلك ، يربط هؤلاء الوسطاء بين العميل، ومشغلي شبكات الهاتف المحمول ، وشركة التأمين. بالإضافة إلى ذلك ، فإنها توفر منصات تكنولوجيا التأمين (insurtech) التي تسهل تطوير المنتجات ، وتحصيل الأقساط ، وإدارة المطالبات. و في بعض الدول ، قد يتم ترخيص هؤلاء الوسطاء كناقل مخاطر ، حيث يعرضون منتجاتهم الخاصة على المستهلكين. في الواقع ، تمكن وسطاء التأمين متناهى الصغر المعتمدين على استخدام الهاتف المحمول من التوسع ، حيث قام معظمهم بتسجيل ملايين العملاء في غضون فترة قصيرة نسبيًا ، مما أدى إلى زيادة هائلة في عدد العملاء الذين يغطيهم التأمين متناهى الصغر على مستوى العالم.
مع تطور التأمين متناهى الصغر القائم على استخدام الهاتف المحمول ، ظهرت ثلاثة نماذج أعمال متميزة في السوق – الولاء loyalty، النماذج المجانية /فريميوم freemium ، والنماذج المدفوعة: paid models
• في نموذج الولاء ، يتلقى المشاركون “تأمينًا مجانيًا مضمّنًا/مدمجاً” ‘free-embedded insurance’ بما يتناسب مع مقدار وقت البث المستخدم كميزة لولاء العميل.
• يتيح نموذج “freemium”للمشتركين ترقية غطاء تأمين الولاء (المجاني) مقابل رسوم شهرية.
• يقدم النموذج المدفوع تغطية طوعية قائمًة بذاتها / مستقلة فى مقابل مدفوعات الأقساط التى يتم سدادها من خلال خصم وقت البث أو محافظ النقود عبر الهاتف المحمول.
في الأساس ، كانت الفرضية هي أن المشاركين سيختبرون التأمين لأول مرة عن طريق الولاء أو التأمين المجاني ، لفترة محددة ، وبعد ذلك يقومون بالترقية طواعية إلى منتج مدفوع.
إلى جانب مشغلي شبكات الهاتف المحمول ، قامت شركات التامين باستخدام قنوات السوق الجماهيرية الأخرى Mass Market” – مثل تجار التجزئة و المرافق ومكاتب البريد وما إلى ذلك – لتوزيع منتجات التأمين متناهى الصغر . غالبًا ما تكون قنوات التوزيع واسعة النطاق هذه علامات تجارية موثوقة وتتمتع بدرجة عالية من الشعبية في سوق ذوي الدخل المنخفض ، مما يتيح الفرصة لتحقيق نطاق واسع من خلال إتاحة الوصول إلى مجموعة واسعة من عملائها لبنية التحتية. في معظم الحالات ، توجد لدى هذه القنوات منصات معاملات قائمة يمكن الاستفادة منها في تحصيل الأقساط. علاوة على ذلك ، فإن المنتجات التي يتم بيعها من خلال قنوات السوق الجماهيريةعادةً ما تكون منتجات طوعية حيث يكون للعميل خيار “المشاركة” بشكل صريح في الحصول على مزايا التأمين. ينطبق مبدأ الاختيار أيضًا على منتجات الولاء (المجانية) التي تقدمها مشغلي شبكات الهاتف المحمول.
على الرغم من أن قنوات السوق الجماهيرية تقدم طريقة جذابة لاستهداف مجموعة كبيرة من العملاء ، إلا أنها لا تخلو من التحديات. فهذه القنوات لا تنتمي بشكل تقليدى مجال التأمين وغالبًا ما تقدم منتجات التأمين متناهى الصغر كخدمة ذات قيمة مضافة لزيادة ولاء العملاء. والواقع ، أن شركات التأمين تواجه منافسة شديدة على مدفوعات المستهلك إذا ما قورن بخدمات القيمة المضافة الملموسة الأخرى (مثل قسائم البيع بالتجزئة وخدمات البث ، وما إلى ذلك) التي تقدمها قنوات السوق الجماهيرية.
وعلى الرغم من الوصول إلى تكنولوجيا الهاتف المحمول ، تواجه شركات التأمين تحديات في تفاعل العملاء و تحصيل أقساط التأمين أيضًا. فعلى سبيل المثال ، في بعض الأسواق ، لا يُسمح لمشغلي شبكات الهاتف المحمول بتقديم المشورة التأمينية أو خصم أقساط التأمين تلقائيًا (عبر ساعات البث أو الأموال المنقولة عبر الهاتف المحمول) و ذلك بسبب القيود التنظيمية. وفي بعض الحالات ، كانت مشكلات الدفع ناتجة عن عدم التزام مشغلي شبكات الهاتف المحمول دمج البنية التحتية للدفع مع شركة التأمين. و نظرًا لأن القناة تمتلك عادةً بيانات العميل ومعلومات الاتصال الخاصة به ، فإن نجاح حملة التأمين متناهى الصغر يعتمد على الثقة ومواءمة المصالح بين شركة التأمين وقناة السوق الجماهيرية.
ومن المثير للاهتمام ، أنه حتى نهاية العقد الماضي ، انخفض عدد العملاء الذين يشملهم التأمين متناهى الصغر بالتغطية. وكان هذا الاتجاه التنازلي مدفوعا في المقام الأول بقضايا الشراكة. لذا فقد تم إيقاف بعض خطط التأمين متناهى الصغر القائمة على استخدام الهاتف المحمول أو إلغاءها تدريجياً، مما أدى إلى فقدان ملايين المشتركين للتغطية التأمينية عمليا بين عشية وضحاها بسبب القضايا الإستراتيجية بين مشغلي شبكات الهاتف المحمول وشركة التأمين والوسطاء. وعلاوة على ذلك ، تشير دراسة حديثة أجرتها شبكة التأمين متناهى الصغرMicroinsurance Network إلى إغلاق العديد من برامج التأمين متناهى الصغر في إفريقيا بسبب عدم استدامة النموذج المجاني freemium ؛ وبذلت معظم شركات التأمين جهودا كبيرة لتحويل عملائها الحاليين الذين يعتمدون على نموذج الولاء أو النموذج المجاني إلى حسابات قائمة على الدفع.
وتمثل المرحلة الثالثة، فى نماذج التوزيع المستقبلية، ففي الآونة الأخيرة ، كان مشهد التأمين متناهى الصغر ينتقل بعيدًا عن التوزيع عبر الهواتف المحمولة حيث اتجهت شركات التأمين نحو استكشاف قنوات أخرى لتجميع العملاء ، مثل المنصات والتطبيقات الرقمية. و تجمع هذه المنصات عادةً بين المشترين والبائعين للسلع والخدمات من خلال السماح لهم بالتعامل رقميًا و بسلاسة مع بعضهم البعض. و قد أدى استخدامالبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التأمين إلى ظهور اقتصادات المنصات مثل التجارة الإلكترونية ، والتبادل الإلكتروني ، ومنصات خدمات السفر عبر الأسواق الناشئة.
و تعتبر الصين رائدة عالميًا في التجارة الإلكترونية حيث تتعامل مع أكثر من 800 مليون مستهلك رقمي ، وهو ما يمثل 1.5 تريليون دولار في مبيعات التجزئة عبر الإنترنت. في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، تستمر المنصات الرقمية في التوسع بوتيرة سريعة ، مع أكثر من 365 منصة رقمية فريدة ومتوسط 1.2 مليون مستهلك نشط سنويًا.
تتمتع المنصات الرقمية بقاعدة عملاء كبيرة و متنامية مع وجود راسخ وثقة بين المشاركين في تلك المنصات. بالإضافة إلى ذلك ، تدعم المنصات الرقمية مجموعة متنوعة من آليات الدفع مثل مدفوعات الهاتف المحمول والمحافظ الرقمية و السداد النقدي والتحويل المصرفي وبطاقات الائتمان أو الخصم والعملات المشفرة. ويمكن لهذه البرامج تسهيل المعاملات بسلاسة عبر سلسلة قيمة الخدمات المالية. في الواقع ، توفر الخصائص الفريدة للمنصات الرقمية حافزاً قويًا للشراكة مع شركات التأمين لتقديم المنتجات للمستهلكين المحرومين في الأسواق الناشئة.
لا تزال فعالية المنصات الرقمية كقناة توزيع للتأمين متناهى الصغر في مرحلة الاختبار ، ولا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كانت هذه المنصات قادرة على الوصول للنوع المناسب من العملاء وتجميعه، وما إذا كان التأمين يتماشى بشكل جيد مع المنتجات الأخرى التي يتم تقديمها. ومع ذلك ، يبدو أن السوق متفائل تمامًا بشأن إمكانات المنصات الرقمية نظرًا لأنها يمكن أن توفرمرونة أفضل عند الدفع.و نظرًا لأن المنصات الرقمية تسهل العمليات مع نظام بيئي أوسع من الشركاء ، فمن المأمول أن تصبح حوافز المنصات الرقمية وشركات التأمين أكثر توافقاً لضمان تصميم منتجات قيّمة تلبي احتياجات سوق العملاء منخفضي الدخل.
التجربة الآسيوية في حل معضلة التأمين متناهى الصغر وابتكار طرق جديدة للتوزيع
مع ارتفاع فائض الدخل المتاح في الدول النامية في آسيا ،ازداد توسع وتنوع التأمين متناهى الصغر ، بحيث أصبح يشمل فروع تأمين جديدة تضم الآن التأمين الصحي (تأمين المنافع النقدية في المستشفيات : وهو التأمين الذي يقدم للمؤمن عليه عند علاجه فى المستشفى دفعة مالية محددة مسبقاً ،بغض النظر عن التكلفة الفعلية للعلاج فى المستشفى) ، وتأمين الحياة المؤقت ، والحوادث الشخصية ، وتأمين الائتمان على الحياة.
و تتميز العديد من الدول الآسيوية التي لديها أسواق للتأمين متناهى الصغر إما بأنها تعمل على وضع التشريعات واللوائح التي تنظم التأمين متناهى الصغر أو أن لديها لوائح سارية بالفعل ، بما في ذلك الفلبين وسريلانكا و منغوليا وإندونيسيا ونيبال وبابوا غينيا الجديدة. أما بالنسبة للهند فلديها تشريعات تنظم التأمين متناهى الصغر سارية منذ عام 2005 ، ثم قامت بتحديثها في عام 2015 ، كما تمتلك الصين أيضا برنامجها الخاص للتأمين متناهى الصغر منذ عام 2012.
ويمثل الاهتمام الحالي التأمين متناهى الصغر تغييرا جوهرياًعن الاعتقاد الذي كان سائداً في وقت سابق من هذا العقد بأن هناك العديد من التحديات تواجه انتشار التأمين متناهي الصغر. فقد اعتبرت معظم شركات التأمين أن منتجات التأمين متناهي الصغر مكلفة للغاية و أن عرض تلك المنتجات محفوف بالمخاطر ، حيث إن تصميم منتجات التأمين متناهى الصغر وتسويقها وإدارتها باهظ التكلفة كما هو الحال مع المنتجات التقليدية.
ومع ذلك ، فإن الاستثمارات الضخمة في التكنولوجيا المالية Fintech وتكنولوجيا التأمين InsurTech تعمل اليوم بنجاح على حل معضلة التأمين متناهى الصغر. وتمكين شركات التأمين بشكل متزايد من التعامل معه فرصة تجارية قابلة للتطبيق. حيث تعمل التقنيات والمنصات والمنهجيات الجديدة على تغيير طرق استهداف العملاء ذوي الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة الناشئة في البلدان النامية وأيضاً جمع المعلومات المتعلقة بهم ، مما يتيح تطوير حلول خاصة يمكنها تلبية احتياجات العملاء مع التغلب على التحديات المتضمنة في تكلفة تصميم المنتجات وتوزيعها وتقديم الخدمات الخاصة بها و إدارة المطالبات.
على مدى السنوات العديدة الماضية ، برزت منصات الهاتف المحمول كقناة التوزيع المفضلة في الاقتصادات النامية. ففي منتصف عام 2015 ، تجاوز الهاتف المحمول في آسيا جميع الأجهزة الأخرى (الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المكتبية) مجتمعة باعتباره الجهاز المفضل للوصول إلى الإنترنت ، ونمت حصته منذ ذلك الحين. و اعتبارًا من مايو 2018 ، أصبح الهاتف المحمول يمثل أكثر من ثلثي وسائل الوصول إلى الإنترنت في آسيا.
ويتم توزيع نسبة متزايدة من التأمين متناهى الصغر في آسيا عبر مشغلي شبكات الهاتف المحمول (MNOs). و من خلال هذه المنصات المتنقلة ، يتم البحث عن العملاء ، وبيع المنتجات ، وتحصيل الأقساط ، وتقديم المطالبات ودفعها.
وتشير التقديرات حاليا إلى أن مشغلي شبكات الهاتف المحمول في آسيا يوفرون تغطية تأمينية لأكثر من 40 مليون فرد. و يتميز التسويق والتوزيع عبر الأجهزة المحمولة بأنه أقل تكلفة بكثير وأكثر فاعلية من التسويق المباشر وجهاً لوجه – خاصة بالنسبة للعملاء الأصغر سنًا الذين اعتادوا على إدارة معظم جوانب حياتهم من خلال هواتفهم المحمولة.
تعمل شركات التأمين متناهى الصغر على الاستفادة من منصات مزودي خدمات الهاتف المحمول لإنشاء أنظمة للمعاملات المالية الأساسية للتأمين و هي تحصيل الأقساط و سداد المطالبات. تتيح الخطط القائمة على قسط التأمين إمكانية دفع الأقساط عبر البث أو الأموال عبر الهاتف المحمول أو نقداً. وتمكن خدمات تحويل الأموال القائمة على الهاتف المحمول المستخدمين من الترتيب لإرسال واستقبال المدفوعات في المتاجر الشريكة وعبر أجهزتهم المحمولة ، ولها قوة جذب في البلدان الآسيوية النامية. تشتمل نماذج الهاتف المحمول الإضافية على منتجات التأمين متناهى الصغر ذات الولاء ، والتي تكون مجانية للعميل و تدفعها شركات مشغلي شبكات الهاتف المحمول ، ومنتجات “freemium” ، حيث يمكن للمستخدمين اختيار منتج أساسي مجانًا ثم إثرائه مقابل رسوم اشتراك.
بصرف النظر عن التسهيلات التكنولوجية ، فإن زيادة القدرة على تحصيل الأقساط إلكترونيًا تعد ميزة إضافية لعمليات التأمين متناهى الصغر.
ومع ذلك ، فإن الهاتف المحمول ليس القناة الوحيدة لتوزيع منتجات التأمين متناهى الصغر في آسيا. في البنوك والحكومات ومقدمي الخدمات الآخرين يقومون بدور نشط أيضا. ففي الفلبين مثلاً ، توزع الشركات وثائق التأمين متناهى الصغر من خلال محلات الرهن ،و دور الجنازات وحتى تجار الدراجات النارية.
تعني خدمة سوق التأمين متناهى الصغر في آسيا أكثر من مجرد إيجاد طريقة للوصول إلى العملاء المحتملين والتعرف عليهم فهي تعنى أيضًا تزويدهم بالمعرفة المالية والتأمينية الأساسية. فعلى الرغم من أن الأفراد ذوي الدخل المنخفض (السوق الطبيعية للتأمين متناهى الصغر) لديهم احتياجات واضحة للتأمين ، إلا أن انخفاض مستوى المعرفة المالية والتأمينية في العديد من الدول النامية في آسيا ، وخاصة في المناطق الريفية أدى إلى نقص نسبة الأفراد الذين لديهم حسابات مصرفية أو يتعاملون بأي شكل مع النظام المصرفي.
و قد أدت التطورات الحديثة في تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) أيضًا إلى تعزيز مساحة التأمين – ليس فقط في التسويق والبيع والإدارة ، ولكن أيضًا في القدرة على التعليم. و تعمل ربوتات الدردشةChatbots المتخصصة في التأمين التي تستخدم واجهات متطورة للذكاء الاصطناعى على تعزيز وتحسين الكيفية التي تتواصل شركات التأمين مع العملاء الحاليين والمحتملين سواء لبيع المنتج أو تثقيف العملاء أو توفير الدعم للعملاء ، ويمكن إجراء التخاطب (الدردشة) مع العميل عن طريق الصوت أو النص مما يتيح معالجة أكثر فعالية وكفاءة للأعمال الجديدة وطلبات التعويضات وغيرها من الاحتياجات.
في اليابان، صدر قانون التأمين متناهى الصغر وقصير الأجل (SSI) في عام 2006. هذه المنتجات ، التي توفر التأمين على الحياة لمدة عام واحد أو أقل ، والتأمين على غير الحياة لمدة عامين أو أقل ، يتم تقديمها حاليًا من قبل حوالي 100 شركة ، وقد شهدت نموا مستقرا في السنوات الأخيرة.
و من المهم أن ندرك أن منتجات التأمين الأصغر لا ينبغي أن تكون نسخًا مختزلة من المنتجات التقليدية. فنظراً لاختلاف احتياجات العملاء ، تحتاج المنتجات إلى أن تكون مصممة بشكل مناسب لتلبية هذه الاحتياجات.
وتعمل البلدان النامية بنشاط على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بسكانها تصميم استراتيجيات التسويق. و تعد سجلات الهاتف المحمول حاليًا هي المصدر الرئيسي للبيانات التي يعتمد عليها للتعرف على سمات العميل من خلال : وقت المكالمة ومدتها وأرقام الاتصال وتوقيت ومبلغ المدفوعات المسبقة التي تمت من خلال الهاتف المحمول، والتى يتم تحليلها بطرق جديدة من جانب مسؤولي التمويل متناهى الصغر لصياغة درجات الائتمان الملائمة لكل عميل، وإذا ما طبق نهج مماثل على التأمين متناهى الصغر ، فإنه سيتطلب إحراز تقدم تكنولوجي وإدخال التعديلات اللازمة على اللوائح و الأنظمة ذات الصلة.
وتتبنى الهيئة العامة للرقابة المالية رؤية طموحة لميكنة الخدمات المالية غير المصرفية بداية من إصدار المنتجات والترخيص للمهنين وصولا الى تمكين الشركات المالية غير المصرفية من تسويق وتوزيع منتجاتها إلكترونيا وذلك لتعزيز مستويات الشمول المالي والتأميني والاستثماري، لتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات والأنشطة المالية غير المصرفية.
وقد أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية ، القرار رقم 292 لسنة 2023 بتعديل القرار رقم 902 لسنة 2016، يسمح بإضافة شركات الاتصالات والمتاجر الالكترونية المرخص لها بمزاولة النشاط من الجهات المختصة والتي توافق عليها الهيئة، الى القنوات المسموح لها تسويق وثائق التأمين متناهي الصغر النمطية الكترونياً من خلال شبكة نظم المعلومات، ويأتي السماح لشركات التأمين بالتعاقد مع المتاجر الالكترونية لتمكين جموع المتعاملين معها من التأمين على المنتجات التي يتم شراءها، وكذلك مع شركات الاتصالات لتسويق وتوزيع وثائق التأمين متناهية الصغر النمطية الالكترونية ،و يستهدف مساعدة شركات التأمين في تسويق وثائقها لتعزيز مستويات الشمول التأميني وحماية المتعاملين من المخاطر المؤمن ضدها .
حدد القرار المتاجر الإلكترونية بأنها المواقع أو المنصات الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية ” الانترنت” والتي تقوم بعرض المنتجات المختلفة (السلع والخدمات) وتتضمن قوائم السلع والخدمات المعروضة والمعلومات الأساسية عنها، وتقدم مجموعة متكاملة من العمليات تشمل التوزيع والتسويق والبيع وسداد قيمة المنتجات المختلفة بشكل إلكتروني، والمرخص لها من الجهات المعنية بذلك.
ويمثل القرار خطوة هامة لتنمية الأسواق وتيسير عملية الاكتتاب في الوثائق التأمينية لزيادة حماية المتعاملين من المخاطر المختلفة التي من الممكن التأمين ضدها بما يساهم في الحفاظ على مقدرات المؤمن له ، حيث يتضمن ضوابط لاختيار شركات الاتصالات والمتاجر الإلكترونية لحماية حقوق حاملي الوثائق، كما يتكامل القرار الجديد مع جهود الهيئة لتعزيز مستويات الشمول التأميني باستخدام التطبيقات التكنولوجيا، حيث يوسع قاعدة الجهات المسموح لها تسويق وثائق التأمين، بما يسهل من عملية وصول أكبر فئات من المجتمع الى المنتجات التأمينية المختلفة.
ويرى الاتحاد المصرى للتأمين ، أن التوزيع يُعد، الذي غالبًا ما يوصف بأنه أصعب مرحلة من مراحل صناعة التأمين، ضروريًا لاستمرارية التأمين متناهى الصغر على المدى الطويل، و نظرًا لأن التبني الرقمي السريع أصبح ضرورة لكل من شركات التأمين والمستهلكين ، فمن المأمول أن تأخذ نماذج التوزيع الجديدة سوق التأمين متناهي الصغر خطوة للأمام نحو سد فجوة التأمين للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض، بالإضافة إلى عمل لجنة التأمين متناهي الصغر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالاتحاد والتي تهدف الى تصميم منتجات تأمينية جديدة تناسب هذه الطبقة ودراسة الوثائق التي تتفق مع الاتجاهات الحديثة . وقد أعدت اللجنة ورقة عمل مقترحة لتطبيقات التأمين متناهي الصغر بجمهورية مصر العربية ، ويقوم هذا المقترح على استخدام الأنظمة و التطبيقات الحديثة والمختلفة كمنظومة لتوزيع المنتجات وتحصيل الأقساط وسداد التعويضات في التأمين متناهي الصغر، حيث تمهد اللجنة لعرضه على الهيئة العامة للرقابة المالية.