أخبارصحة

عادات النوم والمدن المظلمة ليلا أكثر صحة واستخدام الساعة البيولوجية في علاج الأمراض

د-محمدحافظ ابراهيم

 

اوضحت هيئة الصحة الصينية عن دراسة سكانية حديثة في المناطق الريفية بالصين والتى توصي كبار السن بالنوم فى الساعة العاشرة مساء أو بعدها جيداً لمدة سبع ساعات لتجنب التدهور المعرفي وألزهايمر. حيث يوجد في الصين أكبر عدد من المصابين بالخرف في العالم، وهو اضطراب تنكس عصبي، إذ يعيش ما لا يقل عن 6٪ من كبار السن، أى واحد من كل 20 شخصًا يبلغ من العمر 60 عامًا أو أكثر، مصابًا بالخرف. بحسب دورية الجمعية الأميركية لطب الشيخوخة، ربطت الدراسة السكانية الصينية الحديثة على كبار السن في المناطق الريفية بالصين بين النوم لفترات طويلة وتوقيت النوم المبكر وزيادة خطر الإصابة بالخرف. وتوصلت الدراسة إلى أنه حتى في أولئك الذين لم يصابوا بالخرف خلال فترة الدراسة، لا تزال هناك إمكانية أن تكون لديهم درجة من التدهور المعرفي المرتبط بالنوم المطول ووقت النوم المبكر. ولكن كان الاكتشاف الجديد بزيادة خطر الإصابة بالخرف في كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و74 عامًا وفى الرجال بشكل خاص.

واوضحت هيئة الغذاء والدواء الامريكية إن النوم عملية بيولوجية معقدة حيث ترتبط التغيرات المرتبطة بالشيخوخة في توقيت النوم وجودته بالاضطرابات المعرفية، وحسب ما اوضحتة الدكتورة فيرنا بورتر، اختصاصية الأعصاب ومديرة قسم الخرف والزهايمر والاضطرابات العصبية الإدراكية في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، إنه من المهم أن دراستها قامت بتقييم السكان غير البيض اى القوقازيين، ومعظمهم من سكان المناطق الحضرية من أميركا الشمالية أو أوروبا الغربية، الا أن الدراسة الصينية الجديدة ركزت على تقييم البالغين الريفيين فى الصين، بما يشمل ممارساتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية الفريدة من نوعها.

ويميل كبار السن في المناطق الريفية بالصين عادةً إلى النوم والاستيقاظ مبكرًا، ويحصلون على جودة نوم أقل من الأشخاص في المناطق الحضرية بصفة عامة. وتشير الأبحاث إلى أن الخرف يحدث في كثير من الأحيان في المناطق الريفية من البلاد أكثر من المناطق المتقدمة. وكان الهدف من الدراسة، التي بدأت في عام 2014 بواسطة علماء من عدد من المؤسسات والمراكز البحثية الصينية والتي شملت كبار السن في المناطق الريفية في مقاطعة شاندونغ الغربية، هو فحص ارتباطات خصائص النوم المبلغ عنها ذاتيًا من الوقت الذي يمضونه في السرير وتوقيت ومدة وجودة النوم وبين متلازمة الخرف العرضي ومرض الزهايمر والتدهور المعرفي، مع الأخذ في الاعتبار حساب التفاعلات المحتملة والنمط الجيني . وكشفت النتائج أن خطر الإصابة بالخرف كان أعلى بنسبة 69٪ للأفراد الذين ناموا أكثر من ثمانى ساعات، مقابل سبع ساعات للاخرين. كما تضاعفت المخاطر أيضًا بالنسبة لأولئك الذين يخلدون للنوم قبل الساعة 9:00 مساءً، مقابل 10:00 مساءً أو بعدها.

وتوصلت الدراسة إلى أن هناك ارتباطا بين النوم مبكرًا أو متأخرًا مع انخفاض أكبر أو أقل في درجة التدهور المعرفي بين الرجال ولكن ليس لدى النساء. واستنتجت الدكتورة فيرنا بورتر أن الأسباب المحتملة وراء ارتفاع مخاطر التدهور المعرفي لدى الرجال بأنها ترجع إلى التوقعات الثقافية فيما يتعلق بالأدوار التقليدية للجنسين، وتأثيرها على اختيار الوظيفة والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية، بما يمكن أن يؤثر بشكل مختلف على الرجال في المناطق الريفية في الصين نظرًا لدورهم المتكرر باعتباره الدور الأساسي، أي أن الرجل هو “المعيل” ومشاركته التقليدية في العمل تتطلب جهدًا بدنيًا أكبر ويحتمل أن يكون مرهقًا.

يأمل الباحثون أن النتائج التي توصلوا إليها، يمكن أن تسد فجوة المعرفة جزئيًا فيما يتعلق بالأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، مشيرين إلى أن نتائجهم يجب أن تشجع على مراقبة كبار السن الذين ينامون لفترات طويلة ويأوون إلى فراشهم مبكرًا، خاصة الأكبر سنًا وخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و74 عامًا من الرجال، فيما يمكن أن تبحث الدراسات المستقبلية في سبل خفض ساعات نومهم وتعديل المواعيد بما يمكن أن يخفض من مخاطر الإصابة بالخرف والتدهور المعرفي والزهايمر .

واوضحت هيئة الصحة الالمانية ان أزمة الطاقة تعتبر المدن المظلمة ليلا أكثر صحة ونفعاً. حيث اضطرت المدن الألمانية مؤخرا لإطفاء ألاضواء الكثير من معالمها ليلا بسبب أزمة الطاقة في البلاد، وهذا لا يعد الأمر سيئا للغاية، إذ أكدت دراسات أن المدن المعتمة ليلا مفيدة وأكثر لصحة الإنسان من تلك التي تشعشع أنوارها ليلا. وألهمت أزمة الطاقة المدن في جميع أنحاء ألمانيا لإطفاء الأضواء الليلية في المعالم السياحية والأثرية، والمباني البارزة كالمتاحف والمكتبات.

ففي العاصمة برلين، يظل 200 معلما بالمدينة، بما في ذلك عمود النصر، وكاتدرائية برلين، دون إضاءة بعد غروب الشمس. وبموجب مرسوم توفير الطاقة في البلاد تم حظر الإضاءة الخارجية للأبنية العامة ليلا. كما لا يتجاوز فترة عمل لافتات النيون بضع ساعات يوميا. وكانت مدينة فايمار، الواقعة وسط ألمانيا، قد بادرت منذ بداية الصيف، بتأجيل تشغيل أضواء الشوارع مساءا نحو 30 دقيقة، وإطفاءها قبل موعدها المحدد ب 30 دقيقة. ولكن بخلاف توفيرها للطاقة والنفقات، فإن المدن المظلمة لها العديد من الإيجابيات سواء بالنسبة للمناخ أو التنوع البيولوجى.

تؤكد الجمعية الدولية للسماء المظلمة، وهي منظمة فى الولايات المتحدة ، أن نحو ثلث الإضاءة الخارجية التي يتم استخدامها ليلا، ليس لها أى فائدة. وحتى قبل أزمة الطاقة العالمية وارتفاع الأسعار، حيث كانت تشير تقديراتها إلى أن وقف تشغيل هذه الإضاءة الغير مجدية سيوفر ثلاثة مليارات دولار اى 2.9 مليار يورو سنويًا، ويساعد على خفض تلوث الهواء والانبعاثات الضارة، التي تساهم بدورها في تغير المناخ.

وفي الهند، تبعث الإضاءة المفرطة 12 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا للهواء، وهو ما يعادل نحو نصف إجمالى الانبعاثات الناتجة عن حركة النقل الجوي والبحري في الهند سنويا، وفقا للدكتور لبافان كومار خبير تغير المناخ بجامعة راني لاكشمي باى الزراعية المركزية في ولاية أوتار براديشن. وفي الوقت الراهن، يعيش أكثر من 80 بالمائة من الأفراد حول العالم تحت سماء تلوثها الأضواء. ويرتفع الرقم أكثر في أوروبا والولايات المتحدة ليصل إلى 99 بالمائة، مما يعني أن البشر باتوا لا يرون الظلام الحقيقى. وفي سنغافورة، أصبحت الليالي مضيئة جدا، لدرجة أن عيون الأفراد تعانى من اجل التكيف مع الظلام الحقيقي.

إلى جانب فوائد الظلام البيئية يعد الظلام الكافى ليلا مفيد صحيا حيث أثبتت الدراسات وجود علاقة بين الضوء الصناعى وامراض العين، والأرق، والسمنة، بل والاكتئاب في بعض الحالات. ويعد غياب إفراز هرومن الميلاتونين ليلا، هو السبب الرئيسي وراء الكثير من تلك الأمراض. فوفقا للدكتور لكريستوفر كيبا، الباحث في مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض انه اصبح نظام العمل الكامل لساعة الجسم البيولوجية في خطر، حيث لا تفرز أجسادنا هرمون الميلاتونين ليلا، لأننا نتعرض للكثير من الضوء في الليل، سواء في منازلنا، أو خلال دوام العمل مساءا. ولفت الدكتور لكريستوفر كيبا إلى أن الضوء الصناعى هو أحد أكثر التغييرات الدراماتيكية التى أجريناها على المحيط الصحى الحيوى، و أنه خلال التطور، كانت هناك إشارة مستمرة قادمة من البيئة تشير للنهار والليل والشهر القمري. لكن في المناطق التي باتت تعاني من التلوث الضوئي بشكل قوى، تم تغيير هذه الإشارة بشكل كبير.

وحذرت دراسة أمريكية من أن الأطفال والمراهقين، الذين يعيشون في مناطق بها الكثير من الضوء الصناعى يحصلون على قسط أقل من النوم، ويعانون في كثير من الأحيان من مشاكل عاطفية. ويقدر العلماء، بشكل عام، أن كوكبنا يصبح أكثر إشراقا كل عام بنسبة 2 بالمائة مقارنة بالعام الذي سبقه، لذا فإن التعتيم أو الإطفاء الجزئى لأضواء الشوارع يمكن أن يكون خطوة أولى في مواجهة التلوث البيئي. وكذلك الحيوانات والنباتات تحب الظلام أيضا . ولا يعد الإنسان وحيدا في معاناته من التلوث الضوئي، بل تكافح أحياء أخرى من أجل التكيف مع الضوء في الليل. فالشعاب المرجانية، على سبيل المثال، لا تتكاثر كالمعتاد، والطيور المهاجرة تفقد إحساسها بالاتجاهات، فيما تسير السلاحف حديثة الولادة إلى داخل المدن، حيث تموت، بدلا من الحركة في اتجاه البحر.

والحشرات تتأثر أيضا، حيث تشير الدراسات إلى أن نحو 100 مليار حشرة ليلية تموت في ألمانيا كل صيف نتيجة الإضاءة الصناعية، التي تشتت انتباهها، وتجعلها تطير بلا جدوى دون توقف حول المصابيح الساطعة، بدلا من الاعتماد على ضوء القمر في حركتها. وأوضحت أن هذا الإرهاق المستمر يجعلها فريسة سهلة للحيوانات المفترسة، أو يتداخل مع تكاثرها، ويتسبب في قتلها على الفور. ليس ذلك فحسب، بل يتم تلقيح النباتات، التي تنمو بالقرب من أضواء الشوارع، بشكل أقل، ومن ثم تنتج ثمارا أقل من تلك النباتات التى تنمو فى الظلام. حتى الأشجار التي تشعر بتأثير الضوء في الليل، تنتج براعمها في وقت أبكر من الطبيعى، وتتأخر أوراقها فى التساقط.

واوضح الباحث في المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية في فرنسا الدكتور كلود غرونفييه انه يوجد توجه لاستخدام الساعة البيولوجية كأداة فاعلة في مواجهة الأمراض. حيث يتفاوت أداء جسم الإنسان على مدار ساعات اليوم، في ما يشبه ساعة بيولوجية متأصلة بعمق فيه، وبات يتوافر عنها قدر أكبر من المعلومات، إلى حدّ جعل بعض الأطباء يتوجهون نحو استخدام الساعة البيولوجية كأداة فاعلة في مواجهة عدد من الأمراض. ويقول الباحث في المعهد الوطني للصحة في فرنسا انه يوجد هناك مجموعة من الساعات البيولوجية في جسم الانسان لتحسين أدائه وهذا ما يسمى النظام اليومي. ووجود هذه الساعات معروف منذ زمن طويل. وخلال العقود الماضية، أظهرت الأبحاث أن نشاط الأعضاء يكون متفاوتاً تبعاً لساعات النهار المختلفة؛ إذ تميل الأمعاء والكبد والقلب إلى العمل بجدية أكبر في أوقات معينة، بغض النظر عن إيقاع الوجبات أو النشاط البدني.

في الوقت نفسه، أظهرت الأبحاث التي أجريت على الحيوانات ثم البشر أن هذا الإيقاع لم يكن مجرد استجابة للعالم الخارجي، مثل تعاقب الليل والنهار. فقد تبين أنّه مسجّل في خلايانا، بدءاً من الخلايا العصبية في الدماغ. ولكن تقدّم البحث بصورة كافية لدرجة حصول ثلاثة باحثين في مجال الساعة البيولوجية على جائزة نوبل للطب عام 2017، تسارعت وتيرته أكثر في السنوات الأخيرة، على وجه الخصوص، لإظهار كيف توجد هذه الساعة في خلايا الجسم بأكمله. ويوضح الدكتور كلود غرونفييه انه توجد ساعات في الكبد والقلب والرئة والكلى وشبكية العين . ويتبين يوماً بعد يوم أن لهذه الساعات آثارا متنوعة للغاية. وتشير دراسة بإشراف الدكتور كلود غرونفييه إلى أن إدراك الألم يختلف في شدته على مدار 24 ساعة.

وخلال هذا البحث عُزل اثنا عشر رجلاً عن كل التحفيزات الخارجية لمدة يوم ونصف يوم تقريباً، وتعرضوا كل ساعتين لمسبار ساخن. وقد اختلفت عتبة الألم لديهم بشكل منهجي مع مرور الوقت. ويرى الدكتور كلود غرونفييه أن هذه خطوة حاسمة نحو فهم أفضل للألم، لافتا إلى أنه في يوم من الأيام، قد نتمكن من التعامل معه بشكل أفضل من خلال مراعاة تقلباته خلال اليوم . ويندرج البحث ضمن مدرسة أكبر في هذا الإطار. فبالنسبة لبعض الباحثين والأطباء، هذه الإيقاعات معروفة جيداً بما يكفي لاستخدامها في مواجهة أمراض عدة. هذا ما يُعرف بالعلاج الزمني أو الطب اليومي. وبالنسبة إلى مروجيها، ستكون التطبيقات متنوعة للغاية، من طب الأورام إلى طب القلب مروراً بعلم الأعصاب.

وفي مرض الزهايمر أو مرض باركنسون فإن اضطراب الساعة البيولوجية معروف سابقاً. لكن بات معروفاً الآن أن هذا الاضطراب غالباً ما يسبق الأعراض ويمكن، بالتالي، أن يكون سبباً يمكن الوقاية منه وليس نتيجة. ومع ذلك، بشكل عام، ما زلنا نواجه تحدياً لتطبيق هذه المعرفة حول دور الساعات البيولوجية اليومية في عالم الطب، كما حذر على ذلك الباحثان الدكتور رافي ألادا والدكتور جوزيف باس في منشور علمي ضمن هيئة نيو إينجلاند الطبية.

لذلك هناك نقص في التقنيات التي من شأنها أن تتيح للطبيب بسهولة تشخيص الاضطراب في الساعة البيولوجية، وبالتالي، ينصح المريض بطريقة موجهة لتغيير إيقاع حياته من أجل تجنب المشاكل الصحية. حيث هناك طرق أخرى قد تصطدم مع الواقع، مثل الفكرة التي دافع عنها الدكتور كلود غرونفييه بحماسة، وهي أخذ الوقت من اليوم في الاعتبار عند إعطاء العلاج الكيميائي لمريض السرطان. ويقول طبيب الأورام الدكتور بيار سانتيني دعونا نتخيل أن التجربة تُظهر أن العلاج يجب أن يتم بين الساعة العاشرة مساءً والثامنة صباحاً فسيؤدي ذلك إلى مشاكل تنظيمية كبيرة.

ويتابع الدكتور بيار سانتيني انه نحن نعيش بالفعل في عالم صعب على الأقل في فرنسا، حيث النظام الصحي على وشك الانهيار، بعد فيروس كوفيد وحرب اوكرانيا لذلك يجب أن تكون مقنعاً للغاية لتغيير الانظمة الصحية بشكل جذري حيث يوجد ضغط هائل في الأساس . لذلك، ليس من الضروري إثبات التأثير فحسب، بل أنّ له أيضاً تأثيراً كبيراً على الاستجابة للعلاج وبقاء المرضى على قيد الحياة، كما يخلص الدكتور بيار سانتينيي، مبدياً اعتقاده بأن الدراسات غير كافية حالياً في هذا المجال وتحتاج الى تطوير وابحاث جديده .