أخباراقتصاد عربي

عم شكل يكتب:  عرايا في الساحل الشرير

الكاتب الصحفي عبد الله حموده

قبل عام تقريبا، قال لي صديقي الفيلسوف: احمد ربنا أنك تعيش في حر القاهرة بملابسك؛ فغيرنا ملقى على رمال الساحل.. حافي القدمين.. لا يرتدي سوى المايوه.

طفرت دمعة من عيني.. وأنا أتخيل هؤلاء الغلابة، الذين يقضون نحو ربع العام.. في قيظ الساحل الشمالي!

تذكرت ذلك الحوار – بيني وبين صديقي الفيلسوف – وأنا أطالع الأخبار؛ إذ استوقف نظري – الذي أدعمه بنظارات طبية.. بحكم تقدمي في العمر – أقول استوقف نظري خبرٌ.. عن بيع فيلات بالساحل الشمالي.

ربما تسأل مستنكرًا.. وساخرًا.. وماكرًا: وما الجديد في بيع فيلات بالساحل الشمالي؟

أقولك يا سيدي..

فقد رأيت – في ما يرى الصاحي – طوابير من هؤلاء الغلابة.. الذين يرتدون المايوه ذات القطعة الواحدة، وهم يقفون في طوابير طويلة عريضة.. اللهم لا حسد.

رأيتهم يتدافعون، يتنافسون، يتقاتلون.. من أجل الفوز بواحدة من هذه الوحدات، التي بنتها شركة إماراتية، وتبيع الفيلا مقابل 118 مليون جنيه.

افرك عينيك، واقرص أذنيك، فالرقم الذي قرأته صحيحا.. 118 مليون جنيه يا مؤمن.. ثمنا لفيلا في الساحل الشمالي، والناس عليها يتقاتلون.. لأن عدد الوحدات المطروحة محدود.

فقط 300 وحدة. فقرَّب.. قرَّب.. قرَّب، واللي ما يشتري.. يتفرج.

تصوري يا عزيزي.. 300 فيلا، يصل سعر الواحدة منها.. هذا الرقم الفلكي، بيعت عن آخرها.. في غضون ساعات. فضلا عن كسر خواطر المئات الآخرين، ممن لم يتمكنوا من شراء وحدة وحيدة.. توحد الله. لأن العدد قد نفد.

بعدما قرأت الخبر، وطالعت فيديوهات.. تصور تلك اللحظات السعيدة. وشاهدت عشرات الصور.. التي توثق ذلك الحدث الكبير، جلست مع نفسي قليلا، ورحت أحلب ذاكرتي.. كما المعزة اليتيمة.

تذكرت ملايين.. من اصحاب الدخول المعدومة، الذين لا يحلمون.. إلا بأربعة جدران تسترهم، ومن في عصمتهم.

تذكرت طوابير، ممن يحلمون بالحصول على عشرة أرغفة.. من الفرن، لسد رمق صغارهم.

تذكرت هؤلاء الذين يحاربون.. لإضافة مواليدهم إلى بطاقة التموين؛ أملا في الحصول على كيلو سكر إضافي، أو زجاجة زيت مدعم.

تذكرت صفوف من العاطلين.. الباحثين عن مئة جنيه، لتسديد جزء من دين قديم، أو لشراء بعض الاحتياجات الضرورية.

تذكرت ركاب بالمئات.. يتزاحمون في كل موقف، يبحثون عن مقعد في ميكروباص.. من أجل العودة إلى منازلهم، بعد يوم شقاء إضافي.. من سلسلة أيامهم السوداء.

تذكرت خناقات ومعارك كلامية.. على فيسبوك.. بين الشبان والشابات، على مسؤولية أي منهم.. عن شراء أي نصيب من «الجهاز».. العروسة أم العريس؟!

تذكرت بيوتاً في الصعيد والأرياف، تبحث عن سقف.. يقي سكانها حر الصيف، وبرد الشتاء.

تذكرت المشردين تحت الكباري – هنا وهناك – وهم يبحثون وسط المخلفات.. عن بقايا طعام زهدها مقتدر، أو عفتها نفس.. تأنف نوعا من الطعام.

تذكرت.. وتذكرت. ولا أقول إنني حسدت، أو حتى غبطت؛ فالأمر يفوق حد السفه، واستفزاز البسطاء، ممن يبحثون عن الستر.. بالحلال.

إخواني في الساحل.. وما جاوره من شواطئ، أوصيكم – ونفسي – باتقاء غضب القلوب.. التي تغلي في الصدور.

أما إخواني «المُطوِّرين العقاريين»، الذين تعففوا عن صفة «المقاول».. الباحثين عن «سوبر كلاس» من الناس.. لشراء بناياتهم، فأقول لهم: أنتم تصنعون قنابل موقوتة.. ربما عن جهل، أو ربما عن قصد، لكن النهاية واحدة. 

استثمروا في «ما ينفع الناس».. كل الناس. ولا تحترفوا صناعة «طبقية» بغيضة.