أخباراقتصاد عربي

تعدد المهام في وقت واحد يحفز التفكير الإبداعي

د.محمد حافظ ابراهيم

 

اوضحت ابحاث الدكتوره شيمول ميلواني، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية كينان فلاجلر للأعمال بجامعة نورث كارولينا بالولايات المتحده انه كان يُنظر إلى القيام بمهمات متعددة في وقت واحد على أنه مسبب للتوتر ويخفض مستوى الأداء، وولكن اظهعر البحث الجديد ان الفترات المزدحمة بالمهام المختلفة يمكن في الواقع أن تنشط قدراتنا الإبداعية. وكانت كلما جلست للعمل او للكتابة، تحب أن تفسح لنفسك المجال للتركيز على العمل لساعات طويلة، فلا رسائل الكترونيه أو مكالمات هاتفية أو اجتماعات، وتحب أن تكون انت والصفحة الفارغة فقط. وإذا اضطررت إلى القيام بمهام عديدة أخرى، فتحاول الحصول على استراحة قصيرة بعدها لتصفية ذهني قبل أن أعاود الكتابة من جديد. هذا لان الإبداع يعتمد على التركيز الشديد، و الهدوء والسلام التأملي.

لكن وفقا لدراسة جديدة، يمكن للفترات التي ننشغل فيها بالقيام بمهام متعددة، وهو بالضبط ما أحاول تجنبه، أن تحفز إبداعنا لاحقا. وبفضل “التأثير غير المباشر”، يمكن أن تؤدي الطاقة والإثارة اللتان تتلازمان عادة مع نوعية الوظائف ذات الإيقاع المحموم، إلى توليد المزيد من الأفكار الإبداعية.والأهم من ذلك، يبدو أن هذا النوع من تنشيط الدماغ ينطبق أيضا على أنواع عديدة مختلفة من الإبداع، بدءا من وضع خطط عمل مبتكرة وصولا إلى إبداع الطهاة المتمرسين لمزيد من الوصفات المبتكرة، وهو ما يشير إلى أن العاملين في مهن مختلفة قد يستفيدون من ذلك أيضا.

تقول الدكتوره شيمول ميلواني، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية كينان فلاجلر للأعمال بجامعة نورث كارولينا، والتي شاركت في إعداد الدراسة مع الدكتوره تشيتالي كاباديا، إن النتائج تُظهر أننا جميعا يمكن أن نكون “أكثر استغلالا للفرص عندما نقوم بمهمات متعددة في وقت واحد”. وربما سنتوصل حينها إلى أن نرى الفترات الأكثر انشغالا في حياتنا عبارة عن قوة محفزة على الابتكار وليست سببا للتوتر.

وكان علماء النفس في الماضي يعتبرون القيام بمهمات متعددة في وقت واحد أمرا سيئا. وقد أظهرت الدراسات أن الدماغ يكافح من أجل التوفيق بين نشاطين في وقت واحد، ويضطر بدلا من ذلك إلى القفز بسرعة بينهما، لكنه يفقد الدقة في كل مرة يحول فيها انتباهه من مهمة إلى أخرى. فإذا كنت تكتب رسالة على البريد الإلكتروني وتتحدث على الهاتف في الوقت نفسه ، فستفقد مؤقتا القدرة على متابعة المحادثة أثناء كتابة الجملة. واوضح الدكتور آيرينغ كوخ أستاذ علم النفس في جامعة آر دبليو تي أتش آخن في ألمانيا ” إنك تصبح إلى حد ما أصم تقريبا”. وإذا حولت تركيزك إلى المحادثة فستقوم بهفوة ما في كتابتك. ولكي تتمكن من الوصول إلى الدقة المثلى، عليك تكريس اهتمامك الكامل لكل نشاط على حدة.

لكن كل تلك الدراسات ركزت على النتائج المباشرة لتعدد المهام، في حين كانت الدكتوره شيمول ميلواني والدكتوره تشيتالي كاباديا مهتمتين بما سيحدث عقب ذلك اى بالنتائج . وغالبا ما ينطوي الإبداع على الجمع بين الأفكار المتباينة، وهذا يستفيد من العقلية التي تتعامل مع أكثر من شيء في وقت واحد، بدلا من التركيز الصارم. وأن حض الناس على تأمل الأفكار المتناقضة ووجهات النظر المتضاربة يمكن أن يزيد من مرونة تفكيرهم. وتوضح الدكتوره شيمول ميلواني عندما يتوفر لدى الناس شكلان مختلفان من المعلومات، يكونون بطريقة ما قادرين على التصرف والمشاركة بطرق أكثر إبداعا. ويبدو أنه من المنطقي أن يكون لتعدد المهام تأثير مماثل .

وتعدد المهام يجعلنا نشعر بالنشاط واليقظة. وينعكس ذلك على وظائف أعضائنا. فكلما حاولنا القيام بمزيد من المهام، ارتفع معدل ضربات القلب لدينا. ويظن باحثون أن هذه الطاقة يمكن أيضا أن تحسن قدرة توليد الأفكار. أجرت الدكتوره شيمول ميلواني والدكتوره تشيتالي كاباديا سلسلة من التجارب لاختبار الفكرة السابقة. وفي التجربة الأولى طُلب من الطلاب المشاركة في مكالمة جماعية والرد على البريد الإلكتروني. ولفحص تأثيرات القيام بمهام متعددة طُلب من بعض الطلاب الرد على البريد الإلكتروني أثناء المشاركة في المكالمة الجماعية، بينما سُمح للآخرين بالقيام بالمهمتين بالتتابع من دون أي قفز ذهني بين المهمتين .

بعد ذلك، أجرى المشاركون جميعا اختبار الاستخدامات البديلة المصمم لقياس الإبداع، وكان الاختبار يتضمن إيجاد طرق جديدة لاستخدام محتويات منزلية مألوفة، كالطوب مثلا، إذ طلب من المشاركين في الدراسة أن يقترحوا استخدامات أخرى له مثل ثقالة للورق، أو سلاح، أو مساعد في الغوص. وصنفت الإجابات بعد ذلك وفقا لدرجة الابتكار، وجدت الدكتوره شيمول ميلواني والدكتوره تشيتالي كاباديا أن الطلاب الذين قاموا بأكثر من مهمة في وقت واحد توصلوا بالفعل إلى أفكار جديدة أكثر من الذين سُمح لهم بالتركيز على كل مهمة على حدة .

ووجدت الباحثتان الدكتوره شيمول ميلواني والدكتوره تشيتالي كاباديا أنه كلما كان الموظفين أكثر انشغالا وحاجة إلى القيام بمهام متعددة أكثر خلال فترة العمل، كلما شعروا بأنهم أكثر نشاطا. وقد انعكس هذا، بدوره، بشكل إيجابي على مرونة تفكيرهم في اختبار الاستخدامات البديلة . ويمكن مشاهدة نفس “التأثير غير المباشر” بالضبط في تجربة صمم خلالها طلاب كلية إدارة الأعمال وكلما زاد عدد المهام التي قاموا بها، زاد شعورهم بـ “النشاط” وتحسنت جودة أفكارهم اللاحقة.

وتتوافق النتائج التي توصلت إليها الدكتوره شيمول ميلواني والدكتوره تشيتالي كاباديا مع دراسة مثيرة للاهتمام أجراها الدكتور ستيفن وي هون ليم من جامعة سنغافورة الوطنية، والذي وجد أن مستويات “تعدد المهام على وسائل التواصل”، والتي تعني إرسال رسائل نصية على تطبيق واتس آب، أو تصفح تطبيق “تيك توك” أثناء مشاهدة التليفزيون مثلا، مرتبطة باختبارات مقاييس الإبداع، مثل اختبار الاستخدامات البديلة. واوضح الدكتور ليم إن التنقل المنتظم بين وسائط التواصل المتعددة يمكن أن يجعل الدماغ أكثر مرونة في التفكير.

لكن كيف يمكننا تطبيق هذا بأنفسنا. حيث تستبعد الدكتوره شيمول ميلواني والدكتوره تشيتالي كاباديا فكرة أنه يجب علينا القيام بمزيد من المهام المتعددة حتى حين لا نكون مضطرين، لأن ذلك يمكن أن يرفع مستويات التوتر. وتقترح بدلا من ذلك أن نكون أكثر تنظيما في ترتيب المهام، وقد طبقت ذلك بنفسها أثناء الوباء، فيما يتعلق بالمطالب المزدوجة للعمل من المنزل ومسؤوليات متابعة التعليم الافتراضي لأطفالها، وهي مسؤولية تتشاركها مع زوجها. وتقول عن ذلك كان علي ممارسة مهارات تعدد المهام بشكل مزامن وأكثر مما كنت أتخيل في أي وقت مضى .