أخباربورصةعام

إللى معاه مال محيره يجيب حمام ويطيره

بقلم /جمال طايع

 

فى الربع الأخير من القرن الماضى اجتاحت  مصر ظاهرة ما يعرف وقتها بـ (جريمة العصر) هذه الجريمة التى انتهت وقتها بصدور القانون رقم 146 لسنة 1988 والمسمى بقانون مكافحة جرائم شركات تلقى الأموال، والتى قضت مادته الأولى بتحذير الشركات أو الأفراد بتلقى  أموال من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أى مسمى لتوظيفها، أو استثمارها، أو المشاركة بها، سواء أكان هذا الغرض صريحًا أو مستترًا.. كما نصت (21) من ذات القانون على أنه (كل من تلقى أموالًا أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 100  ألف جنيه ولا تزيد على  الأموال المستحقة لأصحابها!

(جريمة العصر) خلفت وراءها اختراقًا لعدد من مؤسسات الدولة ومذابح لنهب ثروات المصريين وإفلاس  جيوب الغلابة من أصحاب المعاشات والمواطنين  العاملين فى الخارج الذين وقعوا فى فخ حلم  اقتناء الثروة والأرباح الضخمة التى سيجنونها من وراء مدخراتهم.. والأهم أنها خلفت ضحايا بالملايين وضياع مليارات الجنيهات!
 ورغم أن الاعلام  وقف لأصحاب  شركات توظيف الأموال بالمرصاد وتصدي لكل من يقفون وراء (جريمة العصر) وراح يفضح ألاعيب أصحابها وكشف زيفهم وأكاذيبهم وخداعهم للاحتيال على فلوس المصريين، فى الوقت الذى كان الباقون إما مستفيدين أو ممن أخذوا مقاعد المتفرجين وراحوا يدافعون عن الريان وأعوانه، وبدأوا ينعتوننا بالشيوعيين أو الاشتراكيين الذين يحاربون الاقتصاد الإسلامى الجديد – . ومع كل هذا استطاع الاعلام أن يتصدي ضد شركات توظيف الأموال وسقط أصحابها ودخل بعضهم السجون ومات فيها وهرب البعض الآخر.. واسترد آلاف المودعين جزءًا  من أموالهم  المنهوبة.. ومرت السنون وكنا قد تصورنا أن (جريمة العصر) قد انتهت واختفت للأبد بصدور القانون  وسجن الريان وأعوانه من السوق وأننا كمصريين قد وعينا الدرس.. لنفاجأ فى الألفية (21) أن ما حدث فى نهاية السبعينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضى يطل علينا من جديد وكأن الشقى مكتوب علينا كما أننا لم نتعلم الدرس !
 لكن هذه المرة زاد عدد النصابين وزاد معه عدد الضحايا من الطماعين المغشى عليهم، فصاحب  المال (الضحية) يعلم أنه معرض لضياع رأسماله، ورغم هذا نجده يقامر به طمعًا فى المزيد  وترك الأوعية الاستثمارية المتاحة والمضمونة والآمنة وراح يحركه وراء السراب ويضع ماله فى جيب النصاب الذى يعلم هو الآخر أنه يستطيع عاجلًا أم آجلًا، سجينًا أو هاربًا!
 القائمة الجديدة لشركات توظيف الأموال طويلة.. والضحايا كُثُر.. ففى الأسبوع الماضى فقط سقط (ريان)  روض الفرج أو مستريح جديد استولى على مبالغ مالية تجاوزت 40 مليون جنيه حصل عليها من 40 مواطنًا لتوظيفها واستثمارها فى مجال قطع غيار السيارات!
 قبلها بأسبوع واحد قضت محكمة جنح دار السلام بالسجن  ثلاث سنوات وبالشغل والنفاذ على مستريح دار السلام لحصوله على 14 مليون جنيه من 15 شخصا لتوظيفها  وتشغيلها فى مجال العقارات!
 كما شنت مباحث الأموال العامة حملة على مدار ثلاثة أشهر فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية تمكنت خلالها من ضبط 22 مستريحًا استولوا على 47.5 مليون جنيه من 149 مواطنًا!! هذا بخلاف مستريح طوخ ومستريحة طنطا!
 ولعل قضية رجل الأعمال أحمد المستريح دليلًا صارخًا على جهلنا الاستثماري، وأننا لم نتعلم من الدروس السابقة، فأحمد المستريح ظل يتلاعب بأموال المواطنين  سنوات عديدة وصلت إلى الخمس سنوات استطاع خلالها أن يحصل على 400 مليون جنيه بعد أن أوهم ضحاياه بقدرته على تحقيق مكاسب ضخمة.. وهى نفس القضية التى تشابهت مع رجل الأعمال (هانى لطفي) الذى كان يضارب بأموال المودعين فى البورصات العالمية !
 القائمة طويلة وعريضة كما قلت وقبل أن نحمل أجهزة الأمن لوحدها المسئولية علينا أن نحاسب أنفسنا أولًا، وأن نفكر ألف مرة ومرة قبل أن نعطى أحدًا مدخراتنا أيًا من كان، قريبًا أو صديقًا أو شخصًا بعيدًا وإلا طارت بلا عودة، وهنا لا نلوم إلا أنفسنا لأن القانون لا يحمى المغفلين.. كما أن هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل (إللى معاه مال محيره يجيب حمام ويطيره).
 فالأوعية الاستثمارية الآمنة والمضمونة موجودة.