Paymob يزيحو الستار لفوربس خططهم
ايه حسين
دمرت الجائحة العالمية قطاعات واسعة من الاقتصاد، وكان أثرها بالغًا على الشركات الصغيرة بشكل خاص. بينما كان وقعها مختلفًا على إسلام شوقي وآلان الحاج ومصطفى منيسي، المؤسسين المشاركين لشركة التكنولوجيا المالية (Paymob) التي تتخذ من القاهرة مقرًا لها، إذ كانت الجائحة سببًا في سطوع نجمهم، لأن توفير بوابة رقمية للشركات الصغيرة والمتوسطة، مثّل فكرة صائبة في ذلك الوقت.
أسس الأصدقاء (Paymob) في عام 1520 برأس مال قدره 10 آلاف دولار فقط. واليوم تعالج شركة التكنولوجيا المالية أكثر من 200 مليون معاملة مالية، ونمت الإيرادات حسب التقارير، بنسبة %600 بين يوليو/ تموز عام 2020 ويوليو/ تموز عام 2021. إنها نسبة لا بأس بها بالنظر إلى أنهم 3 رواد أعمال لم يبلغ أي منهم سن الـ30.
جولة تمويلية
بالمقاييس كلها، تتفق الأوساط الاستثمارية مع ذلك. ففي أبريل/ نيسان 2021، أغلقت (Paymob) جولة تمويل من الفئة (A) بقيمة 18.5 مليون دولار بقيادة شركة رأس المال الجريء (Global Venture) التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها، وبمشاركة من صندوق الاستثمار المصري (A15) وبنك التنمية الهولندي (FMO). وتضمنت الجولة 15 مليون دولار في رأس مال جديد، عقبت دفع 3.5 مليون دولار جُمعت في يوليو/ تموز 2020. لم يكن هذا التمويل مجرد صفقة كبيرة لشركة (Paymob) بل كان أكبر تمويل من الفئة “أ” على الإطلاق جمعته شركة مصرية للتكنولوجيا المالية. وبالنسبة لباسل مفتاح، الشريك
العام في (Global Venture) لم يكن الأمر بحاجة إلى تفكير. يقول المستثمر: “تملك (Paymob) مزيجًا مثاليًا يتكون من التكنولوجيا عالية الجودة، ومنتج لا يستطيع العملاء بشكل متزايد الاستغناء عنه، وفريق إدارة متميز”.
أوضح آلان الحاج، ورئيس قسم التكنولوجيا مصطفى منيسي، من مقر (Paymob) في القاهرة، أن التمويل الضخم يعكس النمو السريع لصناعة التكنولوجيا المالية. يقول الحاج: “لنكن صادقين، فقد كنا محظوظين للغاية بالحصول على الاستثمار. ويضيف: “المسار التصاعدي والزيادة في الطلب دفعا المستثمرين، ودفعنا أيضًا إلى تجاوز حدودنا فعلًا”.
لكن حتى مع وجود مستثمرين، لا مفر من حقيقة أن الأداء المتميز لشركة (Paymob) قد ساعدت على تحقيقه أزمة غير مسبوقة. إذ بالإضافة إلى نمو الإيرادات، نمت قاعدة عملاء الشركة من ألف تاجر قبل الإغلاق الأول إلى 25 ألف تاجر في العام التالي. أما اليوم، فتجاوز عددهم 50 ألف تاجر، كما تضاعف فريق (Paymob) أيضًا، من 6 موظفين في نهاية عام 2019، إلى 600 موظف في أغسطس/ آب 2021.
في حين يشير النمو السريع على جبهات متعددة إلى أمر واحد، وهو تراجع الأوراق النقدية وصعود المجتمع الرقمي. فقد أدت عمليات الإغلاق والنفور المتزايد من التعامل بالعملات النقدية إلى تسريع التحول العالمي، نحو طرق الدفع الرقمية في كل مجال من مجالات الإنفاق الاستهلاكي.
التحول الرقمي
ووفقًا لتقرير المدفوعات العالمية السنوي، الصادر عن شركة تكنولوجيا المدفوعات الأميركية (Worldpay) التي تملكها شركة تكنولوجيا الخدمات المالية (FIS) هناك الآن عدد أكبر من الأشخاص الذين يستخدمون محافظ الهاتف المحمول للمدفوعات في المتاجر، حيث تمثل المحافظ الرقمية حوالي %8 من المدفوعات في الشرق الأوسط وأفريقيا. في الوقت نفسه، انخفض استخدام المبالغ النقدية 10 نقاط مئوية في عام 2020، بما يمثل %20 من المدفوعات المباشرة في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لمفتاح، فإن فرصة المدفوعات الرقمية هائلة، و”تمهّد المنتجات الفريدة التي طورتها (Paymob) الطريق لإحداث تحول في مصر نحو مجتمع لا يستخدم الأوراق النقدية”.
أما مصطفى العاني، كبير المستشارين، ومدير برنامج البحوث في مركز الخليج للبحوث، فيبدو متفائلًا بالقدر نفسه. يقول: “ستشهد الأعوام القليلة المقبلة ثورة تكنولوجية في مصر، بالنظر إلى الإمكانات الهائلة لهذا القطاع في البلاد”، ويضيف: “فهناك %70 من السكان البالغين في مصر ليس لديهم حساب بنكي، مما يعني فجوة سوقية ضخمة يمكن لشركات التكنولوجيا المالية استهدافها”.
تحديات وعقبات
لكن هذا لا يعني أن القطاع سيكتسح السوق المصرية دون تحديات. فوفقًا لمحمد إمام، خبير التكنولوجيا المالية والشريك الإداري الأول في شركة (Emam & Partners) للمحاماة، تظهر أهم عقبة يواجهها قطاع التكنولوجيا المالية بانعدام الثقة لدى السكان. يوضح بقوله: “يسود لدى المصريين اعتقاد مفاده أن الغلبة للمبالغ النقدية، فالكثير من المصريين لا يثقون حتى الآن بالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية. لكن يمكن تغيير ذلك بسهولة إذا عززت شركات القطاع خصائص الأمان في خدماتها، عن طريق إضافة مزايا جديدة كالمصادقة الثنائية والبيومترية”.
كذلك الحاج يبدو منفتحًا بشأن التحديات وآثار الجائحة أيضًا. يقول: “قد نتفق جميعًا على أن كورونا حدث مؤسف للعالم بأسره، لكنه ساعد في تسريع نمونا في السوق”. ونظرًا لأن الأشخاص أرغموا على البدء في شراء احتياجاتهم عبر الإنترنت، فقد اغتنمت شركات البيع التجزئة والتجار الفرصة للتحول إلى العالم الرقمي، من أجل البقاء والنمو بالقدر نفسه. لكن بالنسبة للرئيس التنفيذي للعمليات في (Paymob) فإن الأمر بعيد كل البعد عن كونه ظاهرة قصيرة المدى. وبقدر ما هو قلِق من الجائحة، إلا أنها أحدثت تغييرًا في الوعي العام بشان كيفية عمل المدفوعات الرقمية.
فيما يؤيد الرئيس التنفيذي لشركة (Paymob) إسلام شوقي، آراء زميله المؤسس عبر مقطع فيديو من سيارته. ويصر على أن “ما حدث لا رجعة فيه مطلقًا”. لكن ثقة شوقي تتناقض مع بدايات (Paymob) المتواضعة والمختلفة نوعًا ما. يضحك قائلاً: “لقد كنا في الواقع نؤسس شركة ناشئة للتجارة الإلكترونية. لم نفكر في تأسيس شركة ناشئة للمدفوعات، لكن انتهى بنا المطاف في هذا المجال”.
بداية الرحلة
التقى المؤسسون المشاركون لأول مرة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث كان شوقي طالبًا في الهندسة الميكانيكية، أما الحاج ومنيسي فكانا يدرسان علوم الحاسوب. وكانوا كثيرًا ما يصغون إلى زملائهم الطلاب وهم يتخيلون إنشاء شركاتهم الخاصة، لكن هؤلاء الطلاب الجامعيين الـ3 كانوا مصممين على تحقيق أحلامهم في ريادة الأعمال.
غير أن الأمر لم يكن بهذه البساطة، فحتى تؤسس شركة ناشئة في مجال التجارة الإلكترونية، ستكون البنية التحتية للدفع أمرًا بالغ الأهمية. وبعد زيارة مجموعة من البنوك، اكتشف الثلاثي بسرعة انعدام هذه البنية التحتية. يقول شوقي: “كان كل جزء من التجربة لا طائل منه. وكنا نؤسس شركتنا على افتراض أنه إذا كانت البنية التحتية موجودة في أنحاء العالم، فلا بد من وجودها في مصر أيضًا. لكنها لم تكن كذلك”.
كانت خيبة للأمل والاستياء، إلا أنها شكلت دافعًا على نحو ما لتأسيس (Paymob) مثل معظم الشركات الناشئة الناجحة، إذ كانت تتصدى لتلبية حاجة من الاحتياجات. وقد لاحظ هؤلاء الرواد وجود فجوة في السوق للدفع من شأنه أن يمكّن الشركات من إجراء المعاملات، وتوفير سبل الوصول المناسبة إلى الخدمات المالية، وتلبية المتطلبات الرقمية لمجتمع الشركات الصغيرة والمتوسطة والتجار المستقلين في مصر.
لكن منذ البداية، اصطدم المؤسسون بعائق، فلإطلاق شركتهم، كانوا بحاجة إلى بنك يقف إلى جانبهم، وما من مصرف كان يأخذهم على محمل الجد. وحتى الوصول إلى الشخص المناسب لترتيب اجتماع كان صعبًا. يقول شوقي إن الأمر كان أشبه بذهابنا إلى البنوك الكبيرة لنقول لهم: “لقد جربنا خدماتكم ولا نحبها. هذا عرض أفضل لكم”. لكنهم رغم ذلك لم يستسلموا. وفي واقع الأمر، كلما ازداد عدد البنوك التي لم تقدّر حجم المشكلة، أدركوا أن هناك دورًا تؤديه (Paymob). كانت المشكلة أنه ما من مستثمر سيتعامل معهم من دون بنك، وهذا أشبه بمعضلة الدجاجة والبيضة!
بعد 8 أشهر على انغلاق الأبواب في وجوههم، سنحت لهم فرصة. سعى شوقي خلف الرئيس التنفيذي لأحد البنوك، حيث يُلقي الأخير محاضرات في الجامعة الأميركية بالقاهرة. لم تتح الفرصة على نحو مناسب لأنه كان يعطي دروسًا مرة واحدة فقط أسبوعيًا. توافرت الفرصة في النهاية، ووافق على سماع فكرة شوقي.
كانت تلك هي الفرصة التي طال انتظارها، لكن الأمر سيستغرق على أي حال 14 شهرًا قبل إطلاق الشركة رسميًا.
نجاح محقق
بعد 6 أعوام، ها هي (Paymob) تثبت نجاحها. وخلاصة القول، إنها تساعد التجار على تحصيل المدفوعات رقميًا. وهذا قد يشمل تسهيل المعاملات للشركات الناشئة عبر الإنترنت، وتوفير نقاط البيع الطرفية للمتاجر التقليدية. وفيما يتعلق بنموذج العمل، فهو بصورة حصرية نموذج سداد المدفوعات أولًا بأول، مع تلقّي (Paymob) عمولة على المعاملات. أما بالنسبة للفريق، من المهم ألا تنطوي الأمور على التزامات للعملاء. يقول الحاج: “نريد القضاء على أي تلامس، وأن تكون خدماتنا شاملة قدر الإمكان للمساعدة في إطلاق العنان للإمكانات، وإظهار القيمة التي قد يحققها فعلًا الحصول على التمويل”.
حتى الآن، يبدو أن نهجهم يؤتي ثماره عندما يتعلق الأمر بولاء العملاء. ووفقًا للرئيس التنفيذي للعمليات، تتمتع (Paymob) بمؤشرات رائعة من حيث الاحتفاظ بالعملاء، مع وجود العديد من التجار الذين يتعاملون مع الشركة منذ البداية. يوضح شوقي: “بمجرد أن تنخرط في الأنشطة اليومية للتاجر، من المستبعد أن يتعامل مع غيرك ما لم يحصل على عرض أفضل. ونحن نعمل على التأكد من عدم حدوث ذلك”.
يقول مؤسسو (Paymob) إن سداد أكثر من %85 من مدفوعات محفظة الهاتف المحمول في مصر، يتم عبر منصتهم، سواء أكانت لتاجر جديد أو عميل منذ وقت طويل، وينصب تركيزهم الآن على التوسع الدولي. من ناحية أخرى فإن للشركة وجود فعلي، من خلال الشراكات، في باكستان وكينيا وفلسطين. ويخطط المؤسسون المشاركون فتح مكتب في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الأشهر المقبلة، كما تُجري الشركة محادثات قد تثمر بدخولها إلى السوق السعودية في وقت لاحق من هذا العام.
أسواق جديدة
وعند البحث عن أسواق جديدة، يستند مؤسسو الشركة إلى مجموعة من المعايير تتمثل في: البيئات التنظيمية المواتية، والمبادرات الحكومية الداعمة، والأهم من ذلك، هناك شريحة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تتلقى قدرًا كافيًا من الخدمات، وتتّسم بخصائص مشتركة مع الشركات الموجودة في
مصر. يقول منيسي: “نركز على إحداث الأثر. لقد رأينا أثر الشمول المالي على المجتمعات التي تفتقر إلى الخدمات، وهذا حقًا ما يدفعنا إلى المضي قدمًا”.
وفيما يتعلق بالتأثير، فإنهم يعتقدون أن المستقبل زاخر بالكثير. ويرغبون في زيادة عدد التجار بما يتجاوز 50 ألف تاجر الذين يتعاملون معهم في الوقت الحالي، للوصول إلى مليون تاجر. وهو هدف صعب، لكن من الصعب ألا تقتنع بحجتهم أيضًا. يوضح منيسي: “رأينا زخم النمو، وشهدنا كيف تطورنا من 10 تجار إلى 30 تاجرًا، ثم من بضعة آلاف إلى عشرات الآلاف. لذا ليس من سبب يمنعنا من تحقيق هذا الهدف”.
علاوة على ذلك، يقول رواد الأعمال إنهم لا يفكرون كثيرًا في المستقبل البعيد. ويُعزى السبب في جزء منه إلى طبيعة الاستراتيجية، وفي جزئه الآخر إلى المرحلة العمرية. يقول الحاج: “ما تزال أعمارنا أقل من 30 عامًا. إن هذا الأمر يتعلق بتشويق الرحلة”. لقد كانت تلك هي طريقتهم في العمل دائمًا. فمنذ أيام دراستهم الجامعية، اتبع إسلام شوقي وآلان الحاج ومصطفى منيسي سياسة “إنجاز الأمور”. وبالنسبة للفريق، فالأمر مفهوم تمامًا. يقول شوقي: “في الماضي، كنا نرى الكثير من الأشخاص يتناقشون ويتبادلون الأفكار، لكن القليل منهم في الواقع يفعل ذلك الآن. لقد خضنا غمار الأمر مباشرة”.