أخبارصحة

الأملاح الذائبة لمياه الصنبور أم المعبأة أيهما أفضل للصحة

 

د محمد حافظ ابراهيم

 

مياه الصنبور أم المعبأة أيهما أفضل للصحة: المياه الملوثة تسبب مشكلات صحية خطيرة للإنسان. فعندما تكون المياه نظيفة وآمنة، فإنها تعد أفضل شيء يمكن أن يشربه الإنسان. فهي جيدة لصحة الأسنان والجلد وتساعد على التحكم في الوزن وكذلك على القدرة على التفكير السليم. لكن في حال تلوث مياه الشرب بالبكتيريا أو المعادن الثقيلة أو غيرها من المواد الضارة، فإنها قد تسبب مشكلات صحية خطيرة للإنسان من ضمنها تلف الدماغ والعقم والسرطان.

  وفي دراسة أجرها باحثون لجامعة «نورث وسترن» الأميركية اختبارات استمرت لسنوات على مياه الصنبور في عدد من الولايات الأميركية، ليجدوا أن أغلبها يحتوي على عناصر خطيرة من ضمنها الرصاص والنحاس والزرنيخ والفلورايد. وأشار الباحثون إلى أن الكثير من الأطفال يتعرضون دون علم لأضرار مدى الحياة من سُمية هذه العناصر، خصوصاً الرصاص.

كما لفت فريق الدراسة إلى ما حدث في عام 2016 حين أعلن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، حالة الطوارئ في مدينة فلينت بولاية ميشيغان بعد تلوث المياه بالرصاص المتحلل من الأنابيب. حيث أكدت الدراسة أن جودة المياه العالمية تعرضت للخطر بسبب مجموعة من الكوارث، من بينها البنية التحتية الفاشلة، والحرائق الهائلة، وتدفق مياه الصرف الصحي إلى البحار والأنهار، وزيادة استخدام المواد الكيميائية.

من جهة أخرى، أكد الباحثون أن المياه المعبأة ليست آمنة تماماً، حيث إن تغليفها بالبلاستيك يتسبب في أمراض ومشكلات صحية أيضاً. فالجرعات الصغيرة من مادة البولي إيثيلين تيريفاثاليت التي تُصنع منها الزجاجات البلاستيكية تسبب الدوار وفتور النشاط الوظيفي، فيما قد تؤدي الجرعات الكبيرة منها إلى القيء والغثيان وربما السرطان. وأشار الباحثون في دراستهم إلى ضرورة معرفة مدى جودة المياه قبل شربها لمعرفة ما إذا كانت بحاجة إلى الترشيح.

ونظراً لأن اختبارات سلامة المياه الحالية لا تزال غير متاحة لمعظم الناس، فإن الباحثين القائمين على الدراسة أكدوا أنهم يستهدفون جعلها متاحة وسهلة الاستخدام للجميع مثل اختبارات الحمل، بحيث يمكن نشرها بسهولة في المنازل ومراكز الرعاية والمدارس. ويعمل الباحثون على تطوير نوع من اختبارات سلامة مياه الشرب يكون سريعاً ورخيصاً ودقيقاً.

وقالت الدكتوره سيرا يونغ، المؤلفة الرئيسية للدراسة ان القصد من ذلك هو تطوير اختبار يمكن لغير العلماء استخدامه بسهولة؛ ويكون بسعر معقول ويعطي نتائج في غضون ساعة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها. إلا أن الدكتوره سيرا يونغ أشارت إلى أن تطوير هذا الاختبار سيستغرق وقتاً طويلاً، مؤكدة أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لضمان أن تكون الاختبارات سهلة الاستخدام .

 

الأملاح الذائبة في مياه الشرب:  تشكل الأملاح الذائبة في مياه الشرب غالبية المواد الصلبة الذائبة, والمواد الصلبة الذائبة هي مجموعة من المركبات الأيونية لعدد من المعادن بالإضافة إلى مركبات عضوية ومعادن حرة , وبما أن الاملاح للعناصر الأيونية هي السائدة في مياه الشرب فإنه يتم الإكتفاء غالبا بقياس كمية الأملاح الذائبة لتحديد تركيز المواد الصلبة الذائبة وقد يتم استعمال مصطلح الأملاح الذائبة أو المواد الصلبة الذائبة  للدلالة على نفس القيمة . ويتكون الملح من شقين أحدهما موجب الشحنة مثل الصوديوم والبوتاسيوم والآخر سالب الشحنة مثل الكبريتات والنترات والكربونات ,ويتم التعريف على الملح بشقه الايونى الموجب، فمثلاً نقول أملاح الصوديوم أو المغنيسيوم ولا نقول أملاح الكربونات أو الكبريتات.  ولذا يمكن أن يتم تحديد التركيز الكلي للأملاح بقياس الأيونات الموجبة والسالبة في المياه. تؤثر الأملاح الذائبة بشكل أساسي على طعم المياه بحيث تصبح المياه غير مستساغة للشرب إذا زادت نسبة الأملاح عن حد معين .

 

مكونات الأملاح الذائبة في المياه : تكون تراكيز أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم غالبًا الأعلى في مياه الشرب الطبيعية التي لم تجرِ عليها أي عمليات معالجة سواء كانت مياه جوفية أو سطحية , فيما تتواجد املاح الحديد أو المنغنيز بكميات قليلة قد لا تصل الى 0.5 ملج لليتر الواحد .

 

من أين تأتي الأملاح : تتسرب الأملاح في الغالب من الصخور والتربة التي تختلط بها المياه أو تنفد من خلالها في رحلتها في الطبيعة , ويمكن ان تصل الأملاح  إلى مصادر المياه أيضًا نتيجة بعض النشاطات البشرية  مثل الزراعة والصناعة والتعدين , ولا يمكن اعتبار جميع الأملاح والأيونات المكونة لها ملوثات في مياه الشرب فجزء منها قد يكون ضاراً بالفعل بينما يمكن للجزء الآخر أن يكون مفيدًا ومطلوبًا في مياه الشرب .

 

قياس تركيز الأملاح الكلية الذائبة في المياه : هناك ثلاث طرق رئيسة متبعة في قياس تراكيز المواد الصلبة الذائبة والأملاح في مياه الشرب وهي:

 

1- الموصلية الكهربائية : بما أن الأملاح مواد أيونية فإن هناك علاقة طردية بين تركيزها والموصلية الكهربائية للمياه .

 

2- الطريقة الوزنية : وهذة الطريقة أصعب من الطريقة الأولى لكنها أكثر دقة عند التعامل مع مياه ملوثة بمركبات عضوية أو تحوي تراكيز عالية من المواد العالقة كما في مياه البرك الآسنة مثلاً وهنا يتم أخذ حجم معين من المياه وتمرر من خلال ورقة ترشيح للتخلص من المواد العالقة ثم يتم تجفيف المياه و وزن المواد المتبقية وحساب تركيز المواد الذائبة الكلية بقسمة الوزن الناتج على كمية المياه الأولية قبل التجفيف.

 

3- مجموع الأيونات الذائبة : وهذة الطريقة غالبًا ما تستخدم للتأكد من صحة النتائج في الطريقتين السابقتين ولأنها تحتاج إلى إجراء عشر فحوصات مستقلة على الأقل فإنه من غير الممكن اعتمادها دائمًا لتحديد تركيز الاملاح الكلي في مياه الشرب الا اذا كانت مهمة لتصميم بعض وحدات المعالجة .

 

تصنيف المياه حسب تركيز الأملاح الذائبة:

 

1- المياه العذبة : وهي المياه التي يقل فيها تركيز الاملاح الذائبة عن 1000 ملج / للتر وتقسم إلى قسمين: مياه نقية وهي تلك التي يقل تركيز الأملاح فيها عن 500 ومياه عذبة ثانوية وهي بتراكيز من 500 الى 1000 ملج/ للتر.

 

2- قليلة الى متوسطة الملوحة أو دالعة  : يتراوح تركيز الاملاح فيها بين 1000 و 5000 ملج/ للتر وفي بعض التصنيفات قد تصل الملوحة لهذة المياه الى 15000 ملج/ للتر.

 

3- المياه المالحة أو المحلول الملحي: مياه البحر هي أكبر مثال على هذة المياه وهي مياه يصل تركيز الاملاح فيها الى 35000 ملج/ للتر.

 

4- مياه فائقة  الملوحة:  وهي التي يزيد فيها تركيز الملح على 35000 ملج/ للتر وأكبر مثال عربي عليها هي مياه البحر الميت التي تتجاوز في ملوحتها 70000 ملج /للتر.

 

الحدود العليا المسموح بها  لتركيز الأملاح الكلية في مياه الشرب : تركيز الأملاح الكلي العالي في المياه ليس له أي علاقة بسلامة المياه صحيًا وهذا أمر ثابت وتؤيده غالبية الهيئات العلميه العالمية المتخصصة بجودة مياه الشرب مثل منظمة الصحة العالمية وهيئة حماية البيئة الأمريكية وعلى ذلك تسير غلبية دول العالم . فسبب تحديد تركيز الاملاح الكلي معتمد على مدى استساغة المياه للشرب , والقيمة الأكثر تداولاً عالميًا وعربيًا للحد الأقصى المسموح به هي 1000 ملج لكل لتر بينما تورد بعض الجهات والهيئات توصية بضرورة أن لا يقل تركيز الأملاح الكلي عن 100 ملج لكل لتر وذلك لأسباب صحية وتفضل هيئة حماية البيئة الأمريكية أن لا يزيد تركيز الأملاح الكلي عن 500 ملج لكل لتر.

 

بعض الدراسات الاستقصائية حاولت إيجاد رابط بين عسر الماء الكلي والإصابة ببعض الأمراض فوجد أن نسبة الإصابة بمرض السرطان و أمراض القلب وبعض الأمراض المزمنة الأُخرى تقل بزيادة تركيز العسر الكلي لمياه الشرب , ومن هنا ظهرت بعض الشركات التي تروج لمياه بتراكيز عالية من أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم  وهي المكونة للعسر الكلي في الماء لمواجهة خطر الإصابة بمرض السرطان .

 

متى تصبح الأملاح في مياه الشرب مشكلة : تبدأ مشكلة الأملاح في مياه الشرب عند وصولها إلى تركيز تصبح فيه المياه غير مستساغة للشرب أو عندما يكون تركيز بعض المواد الملوثة فوق الحد المسموح به مثل المعادن الثقيلة أو النترات وهنا لا بد من التدخل لمعالجة تلك المياه , لكن في بعض الحالات تلجأ بعض شركات تسويق أجهزة المعالجة المنزلية الى تضخيم مشكلة الأملاح في المياه فقط بهدف ترويج منتجاتها ومن الحيل الرائجة لهذة الشركات هو الفحص الذي يقومون بإجرائه لإثبات التلوث في المياه وهو فحص خادع يعتمد كما يعتمد الساحر على الخداع البصري للمستهلك ليس أكثر  فمجرد وضع مادة أو تمرير تيار كهربائي بجهد معين في المياه يظهر للزبون أو الضحية ألوان مختلفة في المياه وذلك طبيعي بفعل وجود الأملاح الأيونية التي ستتفاعل مع ما تم إضافته وتنتج مركبات ملونة , وهذا ما لا يحدث في المياه المقطرة التي تكون بحوزة مندوب الشركة , والأصل أن يتم فحص الأملاح الذائبة الكلية والنترات والحموضة والمواد العالقة مثلاً قبل اتخاذ اجراءات إضافية

 

المشكلة في وحدات المعالجة المنزلية والتي تتكون عادة من ثلاث الى خمس مراحل ليس فقط في الثمن الباهض الذي يدفعه المستهلك لشرائها وصيانتها وقد يكون بلا داعي , وانما أيضًا في المياه التي تنتجها والتي تحوي تراكيز منخفضة من الأملاح قد تصل إلى أقل من 10 ملغ لكل لتر ولا تزيد عن 50 وهذة المياه تشكل خطورة بالغة صحيًا , وقد تكون المشكلة أقل حدة  في الوحدات المزودة بمرحلة  لتعويض الأملاح التي تم ازالتها مسبقًا وتكون من خمس مراحل غالبًا , لكن في كثير من الحالات وجد أن المستخدم لهذة الوحدات ما يتهاون في تجديد حشوة الملح واستبدالها لعدم قدرته على تحديد صلاحيتها والتي تعتمد اساسا على كمية المياه التي تم المعالجة .

 

الأملاح في مياه الشرب بحد ذاتها ليست مشكلة كبيرة ويمكن  التغاضي عن تراكيز قد تصل الى 1000 ملج – للتر في حال عدم توفر مصدر بديل وضمان عدم تجاوز الملوثات في هذة المياه للحد المسموح به , لكن يمكن تقليل حدة التراكيز العالية بتخفيفها بمياه أمطار مجمعة خلال الشتاء اذا توفر الخزان المناسب الحامي لتلك المياه من التلوث والتبخر، ومن غير الضروري التلاعب بتركيز الأملاح في مياه الشرب وقد يكون خطيرًا جدًا وباهض التكاليف ,ومن المهم استشارة اصحاب الخبرة والمعرفة ومن لهم دراية بمعايير جودة المياه قبل التفكير باللجوء لشركات توزيع وحدات المعالجة المنزلية.