أخبارصحة

لماذا لا تمرض الخفافيش بالفيروسات في حين يمرض البشر

د محمد حافظ ابراهيم

 

إحدى أولى الأسئلة التى يسألها العلماء عند ظهور أي مرض جديد هي «من أين جاء هذا المرض؟» . حيث تنتقل العديد من الفيروسات من الحيوانات إلى الإنسان، وهي ظاهرة معروفة باسم «الانتشار حيواني المنشأ». بالرغم أنه ما يزال غير واضح أي حيوان هو مصدر وباء فيروس كورونا ، إلا أن كل أصابع الاتهام موجهة نحو الخفافيش.

 

إن انتقال الفيروسات من الخفافيش إلى البشر ليس مجرد خفاش عض شخصًا ما أو لعق دمه فالخفافيش لا يمص الدماء بل إن الأمر هو سيناريو أكثر تعقيدًا من ذلك، سيناريو قد ينطوي علي ضيف وسيط . فهناك عدة حيوانات أخرى معروفة بكونها مصدرًا لأمراض البشر، فالقوارض تحمل الطاعون، والخنازير تنقل الانفلونزا، والطيور تنقل حمى غرب النيل، فلماذا إذن في كثير من الأحيان تتحمل الخفافيش مسؤولية نقل المرض؟

 

هناك العديدة من الدراسات حول تطور الخفافيش في عدة بلدان في جنوب وشمال أمريكا ومنطقة الكاريبي، وألاعتقاد أن هذه المخلوقات الليلية عادة ما تكون ضحايا للمعلومات المضللة، حيث يخاف معظم الناس من الخفافيش وهذا بسبب ربطها بأشياء سيئة.

 

السخونة: أحد الأسباب التي تحمل الخفافيش مسؤولية المرض ليس له أي علاقة بالعلم، وهو أنه يتم ربط الخفافيش دائما بقصص مصاصي الدماء وقصص الرعب، مما تسبب في خوف وسوء فهم تجاه تلك المخلوقات الطائرة .

 

والسبب الآخر هو أن الخفافيش هي ثاني أكثر الثدييات ثراءً : من حيث الأنواع، حيث يوجد أكثر من 1400 نوع موزع في جميع أنحاء العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية. إنها تعيش في المناطق الحضرية والطبيعية، وجميعها تمتلك إمكانية حمل الفيروسات. وتعد الخفافيش أيضًا من الثدييات، وهذا الارتباط بالبشر يجعلها أكثر عرضة لاستقبال أمراض حيوانية المصدر أكثر من الطيور والزواحف مثلًا.

 

تفضل بعض أنواع الخفافيش العيش في مجموعات : كلٌّ منها قريب للآخر، مكوِّنةً مكانًا مثاليا لانتشار مسببات المرض بينها وبين الأنواع الأخرى التي قد تتشارك معها في نفس المكان. الخفافيش أيضًا هي الثدييات الوحيدة القادرة على الطيران حقًا، مما يسهل عليها نشر الأمراض من خلال براز الخفافيش .

 

 ولكن الأمر المثير للاهتمام هو تحملها للفيروسات بشكل خاص، وهو الشيء الذي يتجاوز قدرة الثدييات الأخرى. تطلق الخفافيش كمية كبيرة من الطاقة عندما تطير، مما يزيد من درجة حرارة أجسامها  إلى 38-41 درجة مئوية. ومسببات الأمراض الموجودة في جسم الخفافيش قادرة على مقاومة ارتفاع درجات الحرارة. ويشكل هذا مشكلة للبشر، لأن الجهاز المناعي لدينا اعتاد على إخراج درجات الحرارة العالية في شكل حمى كوسيلة لتعطيل مسببات المرض.

 

البذور المتناثرة: بالرغم من كل ما تتلقاه الخفافيش من السلبيات، إلا أنها تقدم مساهمات إيجابية للبيئة ولحياتنا. حيث تتغذى معظم الأنواع على الحشرات، مما يساعد على حماية المحاصيل من أضرارهم، وتشارك في نثر البذور مثل تلك الموجودة في أشجار التين، النخيل الفضي، إضافةً إلى تلقيح العديد من النباتات منها عدة أشجار تجارية مثل الأوكالبتوس، والصبارة اللذان يوفران الألياف الطبيعية، والمشروبات مثل التكيلا، والميزكال.

 

كما تم استخدام الخفافيش في البحث العلمي لفهم التشعب التكيفي اى كيف تصبح الطفرات الناجحة شائعةً بين السكان، ولفهم كيفية عمل النظم البيئية. كما تم استخدامها في دراسات على الشيخوخة والسرطان والمناعة وهندسة التقنيات الطبية.

 

والأهم من ذلك قد نساعد الخفافيش على توفير الحل لـ COVID-19 والفيروسات الأخرى، حيث إن الخفافيش لا تمرض من العديد من الفيروسات التى قد تقتل البشر، والبحث حول «كيف تستطيع الخفافيش تحقيق هذا»، يمكن أن يكون السر الذي سيساعدنا في مكافحة هذا الوباء والأوبئة  المستقبلية .

 

سمعة سيئة : أن كل الباحثين حول العالم يفعلون ما بوسعهم، للإفصاح عن أصل مرض فيروس كورونا 2 ( SARS- COV 2)، والفرضية الأكثر قبولًا حتى الآن، هي أن فيروس كورونا المستجد جاء من الخفافيش، حيث وُجد أن جينوم الفيروس الذي في جسم الإنسان مطابق بنسبة 96% للجينوم الذي في الخفافيش.

 

و حيث يتم نشر الدراسات العلمية المعقدة بسرعة جدًا، وهو أمر مفهوم عند الأخذ بعين الاعتبار المطالب الملحة لهذا المرض الجديد، لكن هذا التسرع يؤدي إلى عدم الثقة والالتباس، وقد يؤدي أيضًا إلى الخوف والكره أحيانًا تجاه تلك الثدييات الطائرة. حيث أدت «السمعة السيئة» التي نشأت في بعض الأماكن، إلى قتل الخفافيش المقصودة والذي لا داعي لفعله تحت مسمى الحفاظ على الصحة العامة، لكن يمكن أن يكون لهذا عواقب سلبية حيث نتج عن إزعاج الخفافيش أثناء سباتهم يقظة وضغط غير طبيعي أدى إلى انتشار أمراض جديدة.

 

وحتى إذا ثبت أن الخفافيش هي مصدر هذا الفيروس، فإنها لا يجب أن تُلام على نقل مرض SARS-COV-2  الذي سببه الحقيقي هو البشر. فنحن ندمر المَواطن الطبيعية بسرعة جنونية، ونقتل الأنواع المهددة بالانقراض،  ونغير السلاسل الغذائية بأكملها، ونلوث الهواء والماء والتربة.

 

ومن المتوقع أن تمس مسببات الأمراض الجديدة التي كانت محبوسة في الطبيعة سابقًا الناس، وتنتشر بسرعة مع تحركهم حول العالم. ويجب على الأشخاص الذين يلومون الخفافيش على COVID-19  أن ينظروا في المرآة ليروا مصاص الدماء الحقيقي الموجود في الداخل و هى التغيرات البيئيه التى يمارسها البشر فى الهواء و الماء و التربه .

 

الخفافيش لديها وعى صحي : حيث انها تتباعد عند الشعور بالمرض وتبقى بمنزلها حتى التعافى . حيث كشفت دراسة جديدة أن الخفافيش تتباعد اجتماعيا عنما تشعر بالمرض، فتقضي وقتا أقل مع بعضها البعض، وتخالط عددا أقل من الخفافيش الأخرى، حيث لاحظ الباحثون من قبل هذا السلوك في المختبرات، ولكنهم تأكدوا من خلال هذه الدراسة من ذلك بمراقبة الخفافيش في البراري بأمريكا الوسطى.

 

ونشر الباحثون من جامعة أوهايو الأمريكية دراستهم في منشور علم البيئة السلوكي، حيث تابع الباحثون مجموعة من الخفافيش تعيش داخل جذع شجرة، من خلال تثبيت أجهزة استشعار قريبا منها لمراقبة تواصلها فيما بينها.

 

وبغرض إنجاز الدراسة حقن العلماء 16 خفاشا بمادة تسمى ليبوبوليساكاريد، التي تجعل نظام المناعة عندها يتصرف مؤقتا كأنها مريضة، لمراقبة ما إذا كان سلوك الخفافيش سيتغير، وكان في الشجرة 31 خفاشا في المجموع إذ حقن 15 الباقية منها بمادة لا تؤثر على نظام المناعة. وأكد الأطباء أن الخفافيش لم تصب بأي أذى خلال الدراسة.

 

ولاحظ العلماء أن الخفافيش التي تشعر بالمرض بعد أن تم حقنها وجعلها الحقن توهم الجهاز المناعى بأنه يقاوم العدوى أصبحت تخالط عددا أقل من الخفافيش الأخر السليمة، ورفضت أن تشارك في الاحتكاك الجسدي مع الخفافيش الأخرى، وقلت حركتها.

 

وبعد 48 ساعة يزول تأثير الحقنة تماما فتعود الخفافيش إلى سلوكها الاجتماعي الاعتيادي، فعندما تشعر الخفافيش بأنها مريضة لا تنشر العدوى في البراري لأنها تقضي وقتا أقل مع الخفافيش السليمة. ويسمي كبير الباحثين في الدراسة الدكتور سيمون ريبرجر هذا السلوك بأنه “التباعد الاجتماعي السلبي” ويعتقد أنه ربما يكون منتشرا بين الحيوانات أكثر مما نعرف.

 

وقال الدكتور سيمون ريبرجر إن أجهزة الاستشعار فتحت لنا نافذة أطلعنا من خلالها على تغير التباعد الاجتماعي عند هذه الخفافيش من ساعة لأخرى، ومن دقيقة لأخرى ليلا ونهارا، حتى عندما تختفي في الظلام، فالتباعد الاجتماعي السلبي يشبه سلوك الإنسان الذي يريد البقاء في الفراش عندما يشعر بالمرض بدل الاختلاط بالناس لافتا الى انه تكمن أهمية هذا السلوك بالنسبة للصحة الحيوانية العامة في أنه يمنع انتشار المرض عل نطاق أوسع.