أخبارصحةعام

فيروس كورونا القاتل و المخادع

د محمد حافظ ابراهيم

 

تسبب فيروس بسيط في توقف الحياة التي نعرفها و نعتاد عليها . فلقد واجه العالم تهديدات فيروسية من قبل، بما في ذلك الأوبئة، لكن العالم لم يتوقف مع كل عدوى جديدة أو موسم إنفلونزا. إذن ما الذي يجعل فيروس كرونا مختلفا. وما هي الطبيعة الفريدة المراوغة في تركيبته البيولوجية التي تجعله يشكل تهديدا فريدا لأجسامنا وحياتنا .

 

سيد الخداع : في المراحل المبكرة من الإصابة يكون الفيروس قادرا على خداع الجسم. إذ يمكن أن ينتشر فيروس كورونا في الرئتين والممرات الهوائية، ومع ذلك يعتقد جهاز المناعة لدينا أن كل شيء على ما يرام . ويقول البروفيسور الدكتور بول لينر من جامعة كامبريدج ان هذا الفيروس مخادع، فهو يسمح لك بأن يكون لديك مصنع فيروسي في أنفك وتشعر بتحسن تام . ذلك أن خلايا أجسامنا تبدأ في إطلاق مواد كيميائية تسمى الإنترفيرون، والتي يعد اختطافها من قبل فيروس إشارة تحذير لبقية الجسم وجهاز المناعة.

 

ويقول البروفيسور الدكتور بول لينر إن فيروس كورونا لديه “قدرة مذهلة” على إيقاف هذا التحذير الكيميائي، وإنه يفعل ذلك بشكل جيد لدرجة أنك لا تعرف حتى أنك مريض. وعندما تنظر إلى الخلايا المصابة في المختبر لا يمكنك معرفة أنها مصابة، ومع ذلك تظهر الاختبارات أنها “تصرخ بالفيروس” وهذه مجرد واحدة من “بطاقات الجوكر” التي يمكن للفيروس أن يلعب بها.

 

يتصرف هذا الفيروس مثل قاتل “يضرب ويهرب” حيث تبدأ كمية الفيروس في أجسامنا في الوصول إلى الذروة في اليوم السابق لبدء المرض . لكن الأمر يستغرق أسبوعا على الأقل قبل أن يتطور كوفيد إلى النقطة التي يحتاج فيها الناس إلى العلاج في المستشفى . ويقول البروفيسور الدكتور بول لينر هذا تكتيك رائع حقا في التطور، فأنت لا تذهب إلى الفراش بل تخرج وتقضي وقتا طيبا . لذلك فإن الفيروس مثل سائق خطير يفر من مكان الحادثة بعد ارتكابها، لقد انتقل الفيروس إلى الضحية التالية قبل فترة طويلة من تعافينا أو موتنا. وبعبارات صارخة “الفيروس لا يهتم” إذا مت، وكما يقول البروفيسور لينر لان هذا فيروس يضرب ويهرب . ويعكس ذلك تناقضا كبيرا مع فيروس سارس الأصلي الذي يرجع تاريخه لعام 2002، فأكثر وقت يكون فيها هذا الفيروس معديا هي الأيام التي تلي إصابة الناس بالمرض، لذلك كان من السهل عزلهم.

 

إنه فيروس جديد، وإن أجسادنا غير مستعدة له : في عام 2009 كانت هناك مخاوف كبيرة بشأن فيروس إتش1إن1، المعروف أيضا باسم أنفلونزا الخنازير. واتضح أنه ليس مميتا بالشكل الذي كان متوقعا، لأن كبار السن لديهم بالفعل بعض الحصانة. فقد كانت السلالة الجديدة مشابهة بدرجة كافية لبعض السلالات التي تمت مواجهتها في الماضي . والان هناك اربع أنواع من فيروسات كورونا تصيب البشر وتسبب أعراض نزلات البرد. وتقول الدكتوره البروفيسور تريسي هاسيل من جامعة مانشستر”هذا نوع جديد، لذلك لا نعتقد أن هناك الكثير من الحصانة المسبقة ضده . و إن حداثة سارس-كوف-2، الاسم الرسمي لكوفيد 19، يمكن أن تمثل صدمة كبيرة لجهاز المناعة لديك . وهذا النقص في الحصانة المسبقة يمكن مقارنته عندما أخذ الأوروبيون معهم الجدري إلى العالم الجديد، مع ما أحدثه ذلك من عواقب مميتة. ويعد بناء دفاع مناعي لفيروس كورونا من نقطة الصفر مشكلة حقيقية لكبار السن لأن جهاز المناعة لديهم بطيء . حيث يتضمن تعلم محاربة عدوى جديدة الكثير من التجربة والخطأ من جهاز المناعة. ولكن مع التقدم في السن ننتج مجموعة أقل تنوعا من الخلايا التائية، وهي مكون أساسي في الجهاز المناعي، لذلك يصعب العثور على تلك التي يمكنها الدفاع ضد فيروس كورونا.

 

يفعل أشياء غريبة وغير متوقعة بالجسم : حيث يبدأ كوفيد كمرض رئوي ويمكن أن يؤثر على الجسم كله. ويقول الدكتور البروفيسور ماورو غياكا، من مستشفى كينجز كوليدج بالعاصمة البريطانية لندن، إن العديد من مظاهر مرض كوفيد “فريدة” بالنسبة للمرض ، بل في الواقع إنه يختلف عن أي مرض فيروسي شائع آخر . وإن الفيروس يفعل أكثر من مجرد قتل خلايا الرئة فهو يفسدها أيضا، فقد شوهدت الخلايا تندمج معا في خلايا ضخمة ومعطلة تسمى سينثيا . ويقول الدكتور البروفيسور ماورو غياكا إنه يمكن أن يكون لديك “تجديد كامل” للرئتين بعد الأنفلونزا الحادة، لكن “ذلك لا يحدث” مع كوفيد.

 

وقال الدكتور البروفيسور ماورو غياكا “إنها عدوى غريبة نوعا ما”. كما يحدث تجلط الدم أيضا بشكل غريب في كوفيد، مع قصص الأطباء غير القادرين على إدخال أنبوب في المريض لأن الدم المتجلط يمنع ذلك على الفور.

 

واوضح الدكتورالبروفيسور بيفرلي هانت، من مستشفى كينجز كوليدج بلندن، إن المواد الكيميائية المتجلطة في الدم أعلى بنسبة 200 في المائة و 300 في المائة و 400 في المائة عن المعتاد لدى بعض مرضى كوفيد. واوضح انه وطوال مسيرتة المهنية الطويلة للغاية لم يرى أي مجموعة من المرضى بمثل هذا الدم اللزج . ويمكن أن تكون هذه التأثيرات على الجسم كله بسبب المدخل المسامي الذي يتجول فيه الفيروس ليصيب خلايانا، و يسمى مستقبل إيه سي إي 2، ويوجد في جميع أنحاء الجسم بما في ذلك الأوعية الدموية والكبد والكليتين وكذلك الرئتين . ويمكن للفيروس أن يسبب التهابا سريعا في بعض المرضى مما يجعل جهاز المناعة يعمل بشكل مفرط، مع عواقب وخيمة على بقية الجسم.

 

نحن أكثر بدانة مما ينبغي أن نكون عليه : يكون كوفيد أسوأ إذا كنت تعاني من السمنة، لأن محيط الخصر السخي يزيد من خطر الحاجة إلى العناية المركزة أو التعرض للوفاة. وذلك أمر غير معتاد.

 

وقال الدكتور البروفيسور السير ستيفن أورايلي، من جامعة كامبريدج ان ارتباط فيروس كورونا القوي بالسمنة شيء لم نشهده مع الإصابات الفيروسية الأخرى،التى اذا إصابه الرئة غالبا ما يكون البدناء في حال أفضل وليس أسوأ مثل فيروس كورونا . ويبدو الأمر خاصا جدا بكوفيد 19 ومن المحتمل أن يحدث في الإنفلونزا الوبائية، ولكن ليس الأنفلونزا العادية .

 

وتتسبب الدهون المتراكمة في جميع أنحاء الجسم وفي أعضاء مثل الكبد، في اضطراب التمثيل الغذائي الذي يبدو أنه يتحد بشكل سيء مع فيروس كورونا . ومن المرجح أن يكون لدى مرضى السمنة مستويات أعلى من الالتهابات في الجسم ومن البروتينات والتي يمكن أن تؤدي إلى التجلط.