أخبارصحةعام

الحرمان من اللمس قد يسفر عن مشكلات صحية مثل القلق والاكتئاب

د محمد حافظ ابراهيم

 

اوضح مائه من علماء الأوبئة والمختصين بمجال الأمراض المعدية إنه من المحتمل أن يمر عام أو أكثر قبل أن يشعر الناس بالطمأنينة تجاه احتضان صديق أو مصافحة يده. وأشار 40 في المائة منهم أن الأمر قد يستغرق ما بين ثلاثة شهور الى12 شهراً تقريبا.

 

وفيما يتعلق بغير العلماء المعنيين بمجال الأوبئة ، أصبحت اللمسات اليومية مصدراً للتوتر، وأصبحنا نخوض مفاوضات لإعادة رسم الحدود الشخصية من جديد على نحو لم نعايشه من قط قبل تفشي وباء فيروس كورونا .

 

وقد عايش الكثيرون منا شهوراً طويلة دون لمس، فقد كان ذلك واحداً من أوائل الأمور التي جرى تحذيرنا منها، حتى قبل أن تصبح أوامر التباعد الاجتماعي وارتداء أقنعة حماية الوجه والتزام المنازل الوضع الجديد. و من الممكن أن يؤدي غياب اللمس بين الأشخاص إلى معاناتنا من الحرمان من اللمس، الأمر الذي قد يسفر عن مشكلات صحية مثل القلق والاكتئاب، حسبما أفادت الدكتوره تيفاني فيلد، مديرة «معهد أبحاث اللمس» التابع لجامعة ميامي بالولايات المتحده الامريكيه و هى متخصصه في مجال علم النفس التنموي. تصف الدكتوره تيفاني فيلد اللمس بأنه «أبو الحواس جميعها»، حيث أشارت إلى أن المجتمع الأميركي يعاني بالفعل الحرمان على نحو خطير من اللمس، وذلك قبل وقت طويل من تسبب فيروس «كورونا» في تفاقم هذا الحرمان.

 

أي نوع من اللمس يفتقده الناس : لدى سؤالهم عن أكثر ما يفتقدونه من صور اللمسات، جاءت إجابات الجميع انها الأحضان. من جهتها، أشارت الدكتوره أنيتا برايت البروفسورة بجامعة ولاية بورتلاند في أوريغون والتي تذكرت كيف أنها عجزت عن احتضان طالبة دافعت عن أطروحة علمية لها ، إلى أنها تفتقد على نحو خاص الأحضان الطويلة الحميمية التي تصاحب مناسبات جمع الشمل .

 

أما الدكتوره جو كارتر ، مديرة مشروعات في جامعة ويسكونسن في مايسدون والتي تعيش بمفردها، فقالت إنها قبل ظهور الوباء كانت تحرص على الخضوع بانتظام لجلسات تدليك للاستمتاع باللمس المستمر. وأفادت بأنها خلال فترة الإغلاق، وجدت نفسها تعاني من القلق والتوتر على نحو يفوق المستوى المعتاد، بجانب نوبات من المزاج السيئ . وبجانب النوم تحت بطانية ثقيلة، بدأت الدكتوره جو كارتر في احتضان دمية لديها منذ أن كانت في المدرسة.

 

ذكرت الدكتوره سارة كاي هانلي، والتي تعمل بمجال الصرافة في «أوريغون سيتي» في أوريغون، أنه راودها حلم في وقت قريب لمست خلاله رأس صديقها بعد حلاقته حديثاً. وعلى الفور، خالجها شعور بالحكة في يديها وتذكرت الشعور الذي يخلقه لمس شعيرات صغيرة في راحة اليد. وعن هذا، قالت الدكتوره سارة كاي هانلي انه يثير لمس هذا الشعر الصغير شعوراً دافئاً وشائكاً في الوقت ذاته . ووصفت هانلي حرمانها من اللمس بأنه شعور بالانفصال الكامل عن إدراك ما أشعر به بدنياً .

 

و ذكرت الدكتوره جينا كوهان،التي تعمل ناشطة بمجال مناهضة العنف الأسري والجنسي في بورتلاند بأوريغون، الى انها تواجه باستمرار ما يذكرها بالحرمان الذي تعانيه من اللمس. وأشارت إلى أنها كثيراً ما تشاهد كلاباً تسير خارج نافذتها، وتدرك باستمرار أنه ليس باستطاعتها الخروج ومداعبتها كما كانت سابقا .

 

وقالت الدكتوره أنيتا برايت إنه لم يعد من النادر رؤية أطفال زملائها وطلابها يظهرون على الشاشات عبر تطبيق «زووم» ويلمسون من وقت لآخر أو يحتضنون صورة آبائهم أو أمهاتهم . وذكرت أنه بداية ظهور وباء كورونا ، وجدت نفسها تلمس وتداعب أغصان الشجر المنخفضة الموجودة في متنزه قريب تمر بها يومياً، بل وأصبحت لديها شجرة معينة مفضلة داخل متنزه الضاحية التي تعيش بها لأنها غالباً ما كانت الكائن الحي الوحيد الذي تراه يومياً. وعن شعورها لدى مصافحة الأشجار، قالت إنه ذات الشعور الذي يخالجني لدى مصافحتي إنسان .

 

كيف يمكن التكيف مع الحرمان من اللمس : أعرب الدكتور نيل بيرتون، الطبيب النفسي ومؤلف كتاب فرط الصحة العقلية عن اعتقاده بأن اللمس الأكثر تعرضاً للإهمال من بين جميع حواسنا الاخرى .

 

و كتب الدكتور نيل بيرتون الذي يعيش في أكسفورد بإنجلترا، مقالاً في دورية سيكولوجي اليوم حول من أين ينبع هذا الإهمال والنفور الثقافي بعض الأحيان تجاه اللمس. وأوضح أن هذا النفور بمقدوره أن يحدد مدى شعور المرء بالتعطش إلى اللمس. وتتمثل بعض العوامل المحددة الأخرى في السن والتركيب الجيني وآليات التكيف مع الحرمان من اللمس ومعدل التواصل عبر اللمس مع الآخرين قبل ظهور الوباء . وعن ذلك، قال الدكتور نيل بيرتون قد يشعر البعض بالتعطش إلى اللمس في غضون أسبوع، بينما قد لا يشعر آخرون بذلك مطلقاً. والمؤكد أن فكرة أن المرء من المفترض أنه لم يعد بمقدوره الحصول على اللمس من خلال رؤية صديق أو حجز جلسة تدليك تزيد هذا الشعور بالحرمان سوءا عما كان يمكن أن يصبح عليه في ظروف أخرى .

 

و فى دراسة سابقه خلصت إلى أن اللمس يشكل أهم صور السلوك غير اللفظي في مجال مهنة التمريض والرعاية، وذلك عند التعامل مع كبار السن . وأكدت الدراسة أنه في السن المتقدمة، يكون التعطش إلى اللمس أقسى عن أي وقت آخر، لأنها التجربة الحسية الوحيدة التي تبقى حتى السن المتقدم .

 

أعرب الدكتور تريفور روبرتس، المعالج النفسي في بورنموث بإنجلترا، عن قلقه إزاء اعتياد الناس على الوحدة والعزلة وغياب اللمس . وقال ان عدم اللمس سيصبح الوضع العادي المألوف حتى بعد فيروس كورونا، وكذلك الامتناع عن زيارة أفراد الأسرة أو الاكتفاء بالحديث إليهم عبر برنامج اسكايب او غيره . الا انه ما عن بديل للمسة البشرية .

 

وأوضحت الدكتوره فيلد، مديرة «معهد أبحاث اللمس»، أن أحد سبل علاج التعطش إلى اللمس هو تحريك الجلد بقوه . وأشارت إلى أن المقصود هنا ليس مجرد لمس الجلد ببساطة، وإنما تحريكه بقوة كافية للوصول إلى مستقبلات الضغط في الجلد . أيضاً، تقترح الدكتوره فيلد تدليك فروة الرأس والجسم بالكامل باستخدام اليد وارتداء ملابس ضاغطة أو حتى مجرد التدحرج على الأرض لتنشيط مستقبلات الضغط . كما أن وضع كيس ثقيل من الأرز أو الدقيق على الصدر سيترك ذات تأثير البطانية الثقيلة. كما ترى الدكتوره فيلد أن ممارسة اليوغا سيكون لها ذات تأثير جلسات التدليك.