أخباراتصالات وتكنولوجيا

المحاور الرئيسية لتطوير المدن الذكية بمنطقة الشرق الأوسط

كتبت ايه حسين

بقلم: صفدر نذير، نائب الرئيس الإقليمي لاستراتيجية الصناعات الرقمية لدى شركة “هواوي” في الشرق الأوسط

 

 

 

يتزايد اعتماد المدن على التقنيات الرقمية في جميع المجالات، سواء في إدارة المدن أو تحسين حياة المواطنين أو السلامة العامة أو التطوير الصناعي. ونتيجة لذلك، تتسارع الخطى في جميع أنحاء العالم لإنشاء مزيد من المدن الذكية بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد الرقمي والمجتمعات المحلية.

 

 

 

لا تقتصر متطلبات المدن الذكية على الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات فحسب، بل ينبغي الحرص على الاستفادة من استخدام التقنيات الحديثة بشكل دقيق لابتكار نظام إيكولوجي يضمن اتصالاً سلساً في بيئة تتيح تعزيز مختلف أوجه القطاع التكنولوجي وتوفر حياة رغيدة للمواطنين وتساعد في الوقت ذاته على الوفاء بالتزامات إدارة المدينة. ويعني ذلك أن تتبع الدول في منطقة الشرق الأوسط منهج “ألف باء تاء والجيل الخامس” الذي يعرف اصطلاحاً بـ “ABC+5G”، أي الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية المقترنة بالجيل الخامس.

 

 

 

في ظل السباق العالمي لابتكار مدن أكثر ذكاءً، تتميز منطقة الشرق الأوسط حالياً بتطوير نوعين من المدن الذكية. النوع الأول هي المدن التي بدأت بعملية التحول الرقمي أو التي باتت تجني ثماره فعلياً مثل دبي التي تعتبر واحدة من أهم مدن المنطقة التي أدخلت الذكاء في العديد من النواحي ونجحت في دمج التصميم الذكي بالبنية التحتية الحالية، مما يؤدي إلى تحقيق التحول الشامل بحيث لا تكون دبي مدينة ذكية من الناحية التكنولوجية فحسب، وإنما من خلال تغيير أساليب التفكير وإدارة العمليات وجميع الأنظمة المتبعة.

 

 

 

النوع الثاني من المدن الذكية في الشرق الأوسط فيشمل المدن الجديدة التي يتم تصميمها وإنشاؤها بشكل كامل مثل “مشروع نيوم” في المملكة العربية السعودية. ويعتبر هذا النوع من المدن مكاناً مناسباً للمطورين، حيث يتيح لهم استخدام أحدث الابتكارات لتوفير بيئة ذكية متكاملة من البداية، ويتمتع بأريحية التعامل مع مختلف أوجه التطوير مستقبلاً.

 

 

 

قد يختلف المنهج المتبع في هاتين المدينتين، لكنهما تتشاركان الهدف ذاته، وبالتالي فإن النموذجين يحتاجان إلى الأسس ذاتها، بحيث يتم إنشاء شبكة لتشغيل وإدارة المهام تتيح إجراء عمليات “المراقبة” و”التفكير” وتتميز بسهولة الاستخدام بنفس الوقت. لذلك نحن بحاجة إلى أنظمة توفر خدمات مخصصة لسيناريوهات محددة وتتيح اتخاذ القرارات وقيادة العمل بشكل أكثر مرونة وذكاءً.

 

 

 

أنظمة تقنية المعلومات والاتصالات باتت توفر أساساً متيناً ومتطوراً للاتصال من خلال شبكات الجيل الخامس الذكية التي تعتمد على تقنيات حديثة ومتقدمة كتقنية “واي فاي 6” اللاسلكية  ذات القدرات الكبيرة لدعم الاستشعار الفوري ومراجعة البيانات المتعلقة بالأنشطة الرئيسية في المدينة. كذلك أصبحت أنظمة تقنية المعلومات والاتصالات توفر تكامل أنظمة البيانات الرأسية في مختلف القطاعات والهيئات الحكومية لإنشاء شبكة تتيح ربط البيانات بشكل شامل وتعزيز التعاون المشترك. وفي هذه المرحلة تبرز أهمية البيانات الضخمة والحوسبة السحابية. كذلك فإن أنظمة تقنية المعلومات والاتصالات توفر تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتستثمر المعلومات المتعلقة بالمدينة لتحقيق قيمة كبرى للجهات الحكومية والمؤسسات.

 

 

 

ومن خلال اتباع منهج “ألف باء تاء والجيل الخامس”، يمكن تنفيذ سلسلة من الإجراءات لتوفير حلول ذكية وشاملة لمختلف القطاعات المحلية، وهو المنهج الذي يتم اتباعه حالياً. وتعتبر الشبكات والموانئ والمطارات والمصانع الذكية التي تسهم في تعزيز عالم ذكي ومتصل بشكل أفضل بعضاً من الأمثلة على هذا النموذج. لكن هناك الكثير من العمل لتحقيق التقدم المنشود في مجال المدن الذكية، فالشبكات التي “تواكب المستقبل” تتطلب بنية تحتية متطورة لتقنية المعلومات والاتصالات توفر أعلى مستويات الأداء من ناحية زمن الاستجابة وسرعة نقل البيانات والأمان. وهنا تبرز أهمية شبكات الجيل الخامس التي تعتبر اليوم الأساس الأفضل والأكثر موثوقية للمدن الذكية وما سيأتي بعدها – أي المدن المعرفية – عندما يتم تزويدها بمنصات متكاملة للبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.

 

 

 

وإذا كانت تقنية الجيل الخامس هي الأساس الذي تقوم عليه المدن المعرفية، يمكننا اعتبار مركز العمليات الذكي بمثابة العقل المدبر لهذه المدن. إذ يجب أن يتمتع مركز العمليات الذكي بالإمكانيات اللازمة لإدارة شؤون المدينة، بما في ذلك أنظمة استشعار الخطر واتخاذ القرارات والحوكمة وغيرها. ولتحقيق ذلك، يتم الاعتماد على تحليل البيانات الضخمة بالإضافة إلى الاستفادة من قدرات الحوسبة السحابية العامة والخاصة والهجينة. وثمة دور كبير للذكاء الاصطناعي كذلك، حيث يسهم في إدارة الأعمال اليومية في جميع أنحاء المدينة الذكية لتعزيز مستويات الكفاءة والسلامة ودعم التنمية الاقتصادية.

 

 

 

لا شك أن هناك الكثير من التحديات التي تعترض طريق بناء المدن الذكية المنشودة، لكن يمكننا الجزم بأن التقنيات اللازمة لبناء الجيل الجديد من المدن الذكية والمعرفية في الشرق الأوسط باتت متاحة إلى حد كبير، حيث توفر الحلول الحالية مستويات أكبر من السرعات والأمان والكفاءة وزمن الاستجابة المنخفض، بما يحقق الازدهار لسوق الأجهزة المتصلة. لكن ما نحتاجه حالياً أكثر من أي وقت مضى ويجب التركيز عليه هو الابتكار المشترك والانفتاح على بناء مزيد من جسور التعاون والعمل الجماعي في إطار بناء النظام الإيكولوجي المطلوب الذي يشترك به كافة الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص. وقد أثبتت تجربتنا في هواوي أهمية التعاون مع مختلف الشركاء في المدن لإنجاز التحول الرقمي بالاعتماد على المنصات الرقمية التي توفر الحلول التي يسهم في تطويرها والعمل عليها كافة شركاء القطاع.

 

 

 

الابتكار التعاوني الذي يتم من خلال سلسلة متكاملة للقيمة المضافة هو الطريقة الوحيدة لاستغلال نقاط قوتنا الحالية في مجال التقنيات الحديثة المقترنة بالجيل الخامس من خلال نهج “ألف باء تاء والجيل الخامس” لتوفير الخدمات التكنولوجية على نطاق واسع، بحيث تشمل المزيد من الشركات والهيئات الحكومية في المنطقة، وتلبي متطلبات إنجاز الخطط والاستراتيجيات الوطنية وتحقيق أهداف الرؤى الطموحة لبلدان المنطقة ورفع مستوى معيشة وسعادة شعوبها.