أخباراتصالات وتكنولوجيا

مقترح أفريقى لتقديم إنترنت رخيص

كتبت – اية حسين

رغم أن قارة أفريقيا تحقق أرقاما قياسية فى معدلات نمو أسواق اتصالات الهواتف المحمولة خلال السنوات الأخيرة، فإن القارة لازالت هى الأقل عالمياً فى مستويات تغطية وتغلغل خدمات المحمول فى أرجاء الدول بأكملها، إذ أن عمليات التحديث والتطوير تطرأ على المدن الكبرى والمراكز الحضرية، وهنا يتذرع مزودو خدمات الاتصالات والإنترنت بصعوبة تمديد الخدمات وشمول التغطية لتشمل ربوع الدولة لعدم جدواها من الناحية الاقتصادية، على حد تعبيرهم.

اصطحب خبير تكنولوجى أفريقى قراءه فى جولة سريعة فى عالم الإنترنت وإشكالات التحميل والتكلفة والسرعة والنطاقات الترددية، وغيرها من القضايا التكنولوجية، ليطرح تصوراً يقول إنه سيخفف من على كاهل الأفارقة عبء التكلفة بتقديم خدمات إنترنت رخيصة بنطاقات واسعة تسهل على المستخدمين الأفارقة سرعة الوصول إلى المعلومات والتقاط الفرص الهائلة التى أتاحتها شبكة الإنترنت.

وقبل أن يعرض الباحث فى جامعة العلوم الإلكترونية والتكنولوجية فى الصين، الدكتور كليمنت برنس أدو، مقترحه الذى تلقفته العديد من المواقع والصحف الأفريقية، استعرض الواقع التكنولوجى المثير للسخرية الذى يعيشه مستخدم الإنترنت فى أفريقيا، كاشفاً أن العديد من البلدان الأفريقية لا زال لديها خدمة إنترنت بنطاق ترددى يقل عن 64 كيلوبايت، وفى المقابل يصل مدى الحيز الترددى إلى 270 ألف ميجابايت فى الثانية فى الولايات المتحدة.

ولتجسيد الوضع يقول الباحث أدو، علينا أن تتخيل أن فيلماً حجمه 5 جيجابايت يستغرق فى تحميله 734 دقيقة (أكثر من 12 ساعة) فى جمهورية الكونغو، و788 دقيقة (13 ساعة) فى ساو تومي، و850 دقيقة (14 ساعة) فى إثيوبيا، و965 دقيقة (16 ساعة) فى النيجر، و1342 دقيقة (أكثر من 22 ساعة) فى غينيا الإستوائية، وفى المقابل فإن الفيلم نفسه يستغرق تحميله بتقنية HD فى سنغافورة، صاحبة أسرع خدمة إنترنت فى العالم، 11 دقيقة و8 ثوان.

والمفارقة هنا أن عرض النطاق الترددى لخدمة الإنترنت فى بعض الحالات داخل دولة بأكملها فى قارة أفريقيا تقل عما هو متاح لمستخدم واحد مقيم فى الولايات المتحدة.

والمفارقة الصارخة أيضا أنه بينما تقع الدول الأفريقية ضمن قائمة الأبطأ سرعة لخدمات الإنترنت على مستوى العالم، فإنها تتربع على قمة الدول الأكثر كلفة لخدمات الاتصالات وتكلفة الإنترنت عالمياً.

وتشير الإحصاءات إلى أن متوسط تكلفة الجيجابايت لبيانات الهاتف المحمول كنسبة من متوسط الدخل فى أفريقيا هى الأعلى مقارنة بقارتى أمريكا وآسيا، إذ بلغ متوسط الجيجابايت كنسبة من الدخل فى أفريقيا 8 فى المائة فى عام 2018، مقابل7ر2 و5ر1 فى المائة على التوالى من متوسط دخل الفرد فى قارتى أميركا وآسيا.

غير أن الباحث الأفريقى كليمنت برنس أدو له كلمة أخرى مؤكداً أنه بفضل التطورات التكنولوجية المتنوعة والمتلاحقة بات بوسعنا تقليص تكلفة تقديم خدمات الإنترنت وزيادة مستويات الوصول إليها، كما أنها ساعدت أيضاً فى إمكانية تطوير شبكات الاتصالات بطرق حديثة لا تسبب أضرارا للبيئة.

وهنا ينتقل إلى مقترحه الذى أطلق عليه “فرضية المورد”، ويعنى به إمكانية تقديم خدمات اتصالات متعددة بأقل بنية تحتية أساسية ممكنة.

ولأن حصة معتبرة من التكلفة التى يتحملها المستخدم النهائى للخدمة تأتى من أعباء وتكاليف إدارة الطاقة والبنية التحتية، فإن فكرته تتركز على تقليص التكاليف التشغيلية للوصول إلى تحسين مستويات تزويد الخدمة ووصولها إلى المشتركين وخفض التكلفة الواقعة على عاتق المستخدم النهائي.

ويتناول مقترحه التكنولوجى مستهلاً بالحديث عن أبراج الاتصالات قائلاً إن أبراج الاتصالات شأنها شأن كل عمل معماري، يتعين أن تلبى متطلبات إنشائية معينة، من بينها اختيار الموقع وتحليل المخاطر، لكن الافتقار إلى تنظيم الإنشاءات يكاد يكون نموذج يتكرر فى أجزاء عديد من أفريقيا، وحتى مع وجود تشريعات وهيئات منظمة، فإن أبراج الاتصالات والبث الإعلامى تشيد على مسافات قصيرة للغاية وتتحول إلى “غابات أبراج” داخل المدن الكبرى.

وأضاف” وهذا هو واقع الحال فعليا فى غانا التى يمكنك أن ترى فى منطقة حضرية أكثر 10 أبراج تتزاحم بين كل برج وآخر، وهذا أمر غير ضرورى ولا يقدم ضمانا بجودة خدمة، حسبما يزعم المزودون، فضلاً عما تنطوى عليه من مخاطر بيئية وصحية كبرى، لذا فإنه من المنطقى أن يقودنا تقليل أعداد الأبراج إلى تقليص الطاقة الكهربائية المستخدمة، وتقليل الأضرار البيئية المصاحبة، وهو ما يخلق طريقة أفضل لأداء العمل”.

ويقول الباحث أنه طور مع مجموعة من الرفاق الآخرين إطار عمل يمكن من خلاله مساعدة صناع السياسية على تنظيم وتقسيم المدن الكبرى أو الدولة بأكملها إلى مناطق فى كل منطقة يشيد برج واحد تملكه جهة مختصة بالبناء والتشييد، وتقوم بمشاركة هذا البناء مع مزودى خدمات الاتصالات المختلفين فى المدينة أو الدولة.

ويشير إلى أنه ركز فى إطار العمل الذى صممه على قطاع الاتصالات، لكنه أكد أنه قابل للتطبيق على أبراج وخدمات البث التليفزيونى والإذاعي، مبينا أن مقترحه يتضمن ثلاث مراحل معمارية من بينها مزود الخدمة الذى يملك البنية الأساسية ويديرها.

وفى المستوى الأول من المقترح تبرز المحطة الأساسية الشاملة لتقديم خدمات المحمول “كلاود- ران” Cloud-RAN، وهنا ممكن لمزود الخدمة، كالجهة الحكومية المنظمة، أن يمتلك ويدير البيانات الصادرة من المحطة الرئيسية. وهذه المحطة تكون مسؤولة عن إدارة نظام الطاقة الذى تعمل به، ومواقع حيز النطاقات الترددية، وتدفق العمل والإدارة، وكذلك تحديد مناطق أبراج الاتصالات ومحطات التقوية.

وفى المستوى المتوسط من المقترح، يأتى مزودو خدمات الاتصالات والإنترنت، الذين سيكون عليهم التركيز فقط على صياغة وتصميم خدمات المشتركين وضمان جودتها، وفى تلك الحالة لن ينفق مزودو الخدمة مواردهم فى إدارة البنية التحتية وتشييدها، فقط عليهم التركيز على سبل التعامل مع المشتركين والمستخدمين للخدمة والسعى لإرضائهم.

وفى المستوى الثالث والأخير، يأتى المستخدم النهائى الذى لن يكون عليه التعامل إلا مع مزودى الخدمة فقط.

ويشدد الباحث على أن تطبيق تصميمات وتطبيقات إطار العمل التى تضمنها مقترحه ستقضى على فوضى أبراج المحمول والاتصالات المنتشرة بصورة عشوائية كثيفة فى معظم البلدان الأفريقية، كما أنها ستسمح بتشارك الطاقة ونطاقات التردد بين مزودى الخدمة المختلفين بما يقلص من الحاجة إلى تشييد المزيد من أبراج الاتصالات ومحطات التقوية، كما أن تنظيم التتابع وجدولته بالنسبة للأبراج أو نقاط الوصول ستسهم فى تقليص استهلاك الطاقة الكهربائية وتحسين كفاءة الاستخدام للشبكات، فضلا عن تأثيراتها بوجه عام إذ ستقلل من الأضرار البيئية والصحية المصاحبة.