أخبارعاممقال

البحراوى :مهمة استطلاع خلف خطوط العدو عبر الشعر العبرى

تعرف على المقال الذى هجمته السفارة  الإسرائيلية
كتب:فتحى السايح

قال الدكتور ابراهيم البحراوى رئيس منتدى مصر  للدراسات الإسرائيلية انه تلقي مطالبات عديدة من السادة والسيدات القراء بضرورة ان بقدم نماذج من الأدب العبرى الذى يظهر التفاعلات الإسرائيلية مع حرب الاستنزاف.

وكان الدكتور البحراوى قد نشر مقالا منذ أسابيع بعنوان (فيلم الممر المصرى وأدب الأحزان الإسرائيلى) أوضح فيه أن حرب الاستنزاف المصرية للقوات الإسرائيلية فى سيناء، التى يصور فيلم الممر إحدى عملياتها المتكررة قد تركت آثارا مريرة فى المجتمع الإسرائيلى بين عامى ١٩٦٧ و١٩٧٠ رغم الانتصار الضخم الذى حققه الإسرائيليون فى الخامس من يونيو. وبين الدكتور البحراوى أنه اكتشف هذه الآثار فى أعمدة الشعر العبرى وسطور القصص.
لذا واحتراما منه للشغف المعرفى عند القراء، وضع هنا نماذج من القصائد العبرية التى اكتشفها آنذاك كنافذة ليطل منها على ما يدور خلف خطوط العدو، رغم أنف الرقابة العسكرية الإسرائيلية التى فرضت تعتيمًا على هذه الآثار فى صفحات الأخبار والتقارير الصحفية.
واضاف الدكتور البحراوى كان استطلاع آثار الضربات، آنذاك، عملا مهما لا يقل عن عمل ضابط استطلاع المدفعية الميدانى الذى يقوم برصد آثار القذائف ليصحح مساراتها إذا أخطأت الهدف وليقيّم الخسائر التى وقعت بحصون العدو.
وقال الدكتور البحراوى لقد جمع عددا كبيرا من تلك القصائد وصنفها واختار عدة نماذج ممثلة لها وترجمها إلى العربية ونشرها عام ١٩٧٢فى سلسلة كتاب الهلال، عدد يونيو، ووضع لها الناشر عنوان (أضواء على الأدب العبرى المعاصر) فى حين كان أفضل أحد عنوانين: إما أدب الأحزان الإسرائيلى، أو أدب الحرب الإسرائيلى.
واوضح الدكتور البحراوى انه سيقدم هنا بعض النماذج ليتعرف إليها القارئ بنفسه، ويصدر حكمه على إنجازات المصريين فى تلك الحرب.
وقال بدأت الحرب بإغراق المدمرة إيلات أمام بورسعيد فى أكتوبر ١٩٦٧، وانتهت فى أغسطس ١٩٧٠، وعلى امتداد هذه الفترة تدفقت قصائد الأزان الإسرائيلية فى الملاحق الأدبية للصحف.

كتب الشاعر إسحق بولاق قصيدة بعنوان (إحساس) نشرت فى صحيفة معريڤ بتاريخ ١٠ أكتوبر ١٩٦٩ بالملحق الأدبى يقول فيها:

«أحس بروائح قوية.. روائح جثث.. روائح لحم فى ضرام عنيف من الزيت يحترق.. يشوى على صدر مقلاة من الرمال.. يزيد من رقعتها مصدر عال. جثث من أجل تكثيف المذاق المرير.. فى التاريخ الحى الملموس. كلا لست فى حاجة لشرح أحداث بالتوتر المأساوى مشحونة.. الحديث عن البداية أفضل عندى.. من بسط ما تم وما انقضى. سداد الحسابات فى ظنى.. فيما بين النهرين بدأ. هناك ألقى رب إبراهيم المهزوم إلى نيران الأتون.

(ملاحظة شعرية: بالمناسبة استكمل الأتون وحفظ على مر الأجيال منذ أيام ما بين النهرين وحتى معتقلات أوشڤيتس) ومنذ دمرت أوثان عامورة وسادوم وأباء إبراهيم تحت شعار.. لا تقتل.. يجرى قتلهم. ليحيا نبذ السلبية. كلماتى.. لتكن كلماتى فيالق. أشواكًا. لتسقط أركان عالم منحط بزئير جبار. بعينى رأسى شاهدت.. فى يقظة أو فى منام.. ما يشبه تمثالا منصوبا. يداه إلى أعلى مرفوعتان. إنه دعاء الأمهات.. ملعون هو من يبعث أولادنا إلى مذابح الأوثان.. القاتمة الحمراء. اللهم.. الأبناء فارحم، والآباء فارحم وضع نهاية لتقديم إسحق.. ذبيحة وقربانا».
واشار الدكتور البحراوى الى إن تجربة الشاعر هنا تنطلق من مقولة أن العداء البشرى للسامية أو لليهود قدر محتوم، بدأ منذ أيام السبى البابلى لليهود وصولا إلى زمن كتابة القصيدة فى حرب الاستنزاف.
وقال سيلاحظ القارئ أن الشاعر يعتبر حرب الاستنزاف امتدادا لموجات اضطهاد اليهود ولذا فإنه يدعو على كل من يؤذى الجنود الإسرائيليين بقوله (ملعون هو من يبعث أولادنا إلى مذابح الأوثان) الشاعر هنا حزين لتساقط الضحايا، ولكنه غير مستعد لأن يفهم السبب الذى يدعو المصريين للهجوم على الإسرائيليين فى سيناء وهو أن المصريين يحاولون تحرير أرضهم.
واضاف إنه يصب غضبه لسقوط القتلى على العالم كله الذى دأب على اضطهاد اليهود كما يتصور منذ أيام ما بين النهرين وحتى أفران الغاز النازية فى أوشڤيتس التى كان هتلر يدفع إليها اليهود الأوروبيين ليبيدهم. لهذا فإن الشاعر يعتبر العالم كله عالما منحطا يجب أن يسقط.
وقال البحراوى من حقك أن تسأل، سيدى القارئ: وما دخل مصر فى هذا الانحطاط النازى والأوربى؟

وستجد الإجابة فى موقف الإنكار الإسرائيلى آنذاك؛ لكون سيناء أرضا مصرية محتلة فقد اعتبرها الكثير- وعلى رأسهم مناحيم بيجين، زعيم ليكود، رئيس الوزراء فيما بعد – جزءا عضويا من أرض إسرائيل، وأعلن أنه سيتخذها مرقدًا أبديًا له، ويبنى فيها قبره.

واضاف ترتيبا على هذا الموقف تصبح المقاومة المصرية للاحتلال الإسرائيلى عملا من أعمال معاداة السامية البغيضة عند الشاعر وقومه.
واضاف إن الأمر الأهم عنده آنذاك تمثل فى اكتشاف ما إذا كانت حرب الاستنزاف تؤثر فى المجتمع الغاصب، وتنزل به الألم أم لا؛ فقد كان الألم هو المفتاح الذى سينبه المعتدى إلى إمكانية تجنب الألم بإعادة الأرض لأصحابها المصريين.

أما الشاعر يعقوڤ ريمون، فكتب قصيدة بعنوان (إلى متى؟) نشرت فى الملحق الأدبى لصحيفة هاتسوفيه، بتاريخ ٤ يوليو ١٩٦٩، يأسى فيها على الألم، ولكنه يمنى نفسه بحصول المعجزات، ويناجى ربه أن يضع نهاية لموت الجنود والضباط على حافة قناة السويس، يقول الشاعر:

«فجر الخلاص من علُ يتنزل.. والفداء ملفوف بالضياء. المعجزات.. مقبلات.. بهيات فى جلاء. كألوان الطيف.. على قوس قزح.. محمولة بين السحاب. بين المعجزة وأختها.. ظلال تمر.. ظلال بأنّات الثكالى مشبعة.. تحمل فى ثناياها الجراح. أشبالنا.. زهرات جيلنا.. مع كل صباح.. عبر القناة.. يتساقطون.. يُذوون.. كأعواد زرع أخضر.. من جذورهم يقلعون.

رباه. من نوافذك تشهد.. آلام إخلاص كثيفة مكثفة. ونحن بين مرور معجزة وأختها نحصى موتانا.. وقلوبنا تسأل.. إلى متى يظل يومنا المأمول على دمانا يسير؟».