أخبارصحة

فيروس كورونا ومناعة القطيع و اللقاح

د.محمد حافظ ابراهيم

 

طلب عدد متزايد من خبراء الصحة في الولايات المتحدة، إلى انتهاج سياسة المناعة الجماعية أو ما يُعرف بمناعة القطيع من أجل إعادة الحياة إلى طبيعتها وتخفيف القيود المفروضة بسبب وباء كورونا، لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، حتى وإن كان مفيدا من الناحية الاقتصادية.

وحيث يثار هذا الموضوع في الولايات المتحدة بعدما وقع أكاديميون أميركيون بيانا مشتركا أطلق عليه “إعلان غريت بارينغتون”، في إشارة إلى اسم منطقة في ولاية ماساشوستس. حيث أوصى هؤلاء الباحثون بتمكين الأشخاص الأقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا المستجد مثل الشباب ومن لا يعانون أي أمراض مزمنة من العودة إلى الحياة الطبيعية بشكل كامل، مقابل حماية الفئات العمرية الأكثر عرضة للمضاعفات مثل كبار السن.

وتقوم فكرة مناعة القطيع على ترك جميع الناس و بالذات الأصحاء يلتقطون العدوى بشكل طبيعي، حتى يكتسبوا مناعة ضد الفيروس، وعندما تصاب نسبة مهمة من ساكنة بلد ما ثم تتعافى، فإنها تصير محصنة ضد الفيروس وعندئذ يخف انتشار العدوى.

ويقول ألاكاديميون الأمريكان إن العودة إلى الحياة الطبيعية تبدو أمرا مغريا، وذاك تحديدا ما يريده الناس، نظرا إلى تكلفة الإغلاق الباهظة اقتصاديا، فضلا عن الأمراض النفسية التي تنجم عن التباعد الاجتماعي وعزل الناس عن بعضهم البعض وتزايد استهلاك الكحول والمخدرات.

لكن الباحث الطبي في جامعة هارفارد، الدكتور وليام هاسلتن، ينتقد سياسة المناعة الجماعية في حالة كورونا، وشبه الأمر بعمليه قتل جماعي، في إشارة إلى أنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة إذا جرى اعتمادها.

ويرى الخبراء أن المدافعين عن مناعة القطيع يغفلون أمرا مهما حين لا يتحدثون عن المخاطر المحدقة بالشباب أنفسهم، أو الأشخاص الذين يمرضون بـ”كوفيد 19” ثم يتعافون منه، إذ دراسة حديثة إلى أن الفيروس يلحق ضررا بعضلة القلب حتى بعد الشفاء، حيث أن تبعات الإصابة تكون بعيدة المدى، حتى وإن لم يخسر الشخص المصاب حياته.

وأوردت الدراسة التي أعلنت عنها الجمعية الأميركية لطب القلب، أن 78 في المائة من مجموعة متعافي كورونا، لوحظ لديهم ضررٌ على مستوى القلب من جراء كورونا، وهذا الأمر قد يؤثر على صحتهم مستقبلا أو حتى المدة التي سيعيشونها.

أما الأمر الثاني الذي لا يتحدث عنه مؤيدو مناعة القطيع فهو كيفية وقاية او عزل الفئات الأكثر عرضة لفيروس كورونا، عن الآخرين، لأن الشباب يزورون كبار السن، سواء كانوا من الآباء أو من الأجداد والأقارب، هذا دون الحديث عن صغار السن الذين يعانون أمراضا مزمنة كالسكري أو السمنة لكنهم مضطرون للذهاب إلى العمل.

وبحسب بيانات صادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم الأميركي، فإن عدد الوفيات في امريكا ستقترب على الأرجح من 415 ألف، بحلول مطلع فبراير 2021 . أما إذا أزيلت الإجراءات الوقائية وتم تخفيف القيود بشكل بسيط او حتى كامل، وهذا ما يدافع عنه مؤيديو نظرية “المناعة الجماعية”، فإن عدد وفيات سيتجاوز 571 ألفا، بحلول التاريخ نفسه.

و المشكله بحسب الباحثين، هو أنه في حالة السماح بمناعة القطيع في الولايات المتحدة، فإن 25 في المائة فقط من السكان ستكون قد أصيبت بحلول فبراير 2021، فيما تتطلب المناعة الجماعية ضد فيروس ما، تحصين 40 في المائة على الأقل، بينما يحدد خبراء آخرون مستوى أعلى يلامس 60 وحتى 70 في المائة.

وحذرت دراسات عديده من الآثار الصحية طويلة المدى التي قد يسببها كوفيد-19 للمصابين، فيما بات يطلق عليه “كوفيد طويل الأمد”. ولا أحد يعرف حتى الآن إلى أي مدى قد تستمر هذه الآثار طويلة الأمد، إذ يعاني واحد من 20 شخصا من المتعافين من كوفيد-19، من متلازمة الإرهاق وضيق التنفس وصعوبة التركيز وآلام المفاصل وغيرها.

وتشير البيانات الأولية إلى أن نحو 70 في المائة من المصابين بآثار كوفيد-19 طويلة الأمد يعانون من اختلال في وظائف عضو أو أكثر من أعضاء الجسم، مثل القلب والرئتين والكبد والكلى والطحال والبنكرياس، بعد أربعة أشهر من ظهور الأعراض.وأشارت دراسة أخرى إلى أن رئات مرضى متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد والوخيم “سارس” الذين تلقوا العلاج في المستشفيات، منذ 15 عاما، استجابت للعلاج في السنة الأولى لكنها لم تتحسن منذ ذلك الحين. وأشار تحليل آخر للدراسات إلى أن الناجين من متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس” يجدون في الغالب صعوبة في ممارسة التمرينات الرياضية. وكشف الباحثون عن انتشار الاضطرابات النفسية بين نسبة كبيرة من الناجين من فيروسات كورونا.

ولهذه الأسباب، قد يكون من الأفضل للحد من أعداد الإصابات في المقام الأول. وقياسا بالمحاولات المضنية والأساليب المثيرة التي استخدمها البشر على مر التاريخ للوقاية من الأمراض، فإن البقاء في المنزل والمحافظة على مسافة كافية بينك وبين الآخرين وارتداء الكمامة فى التجمعات والمواظبة على غسل اليدين، ستظل هى السائده وألافضل لحين التغلب على فيروس كورونا.