أخباراقتصاد عربيتأمين

د. جمال شحاته عميد تجارة القاهرة لــ”رجال الأعمال”:

نجاح الدول فى سباق التقدم مرتبط بحسن إدارتها لملفات " الضرائب والعولمة

كتبت ــ إيمان الواصلى :

 

     من الملاحظ أن التقدم الإقتصادي العالمي يتعثر بشدة في الوقت الراهن مع نشاط جائحة كورونا . لقد أصابت حالة عدم اليقين الناجمة عن تفشى هذه  الجائحة ، وكذلك تطور التقنيات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة والتحولات الدراماتيكية في التجارة الدولية والاضطرابات السياسية الكثيرين بخيبة أمل ، وأثارت توترًا اجتماعيًا حول العالم بل وفاقمت من   حالة عدم المساواة، ومن ثم باتت الحاجة ملحة لتعزيز التعاون بين دول العالم أجمعليس فقط لمواجهة تداعيات كورونا ، وإنما لإعادة التخطيط بشكل أفضل لبناء إقتصاد قوى قادر على مواجهة مختلف التحديات الراهنة أو التى يمكن أن تواجهنا مستقبلا . وينفرد موقع ” رجال الأعمال ” بنشر الحديث الذى إختص به جريدتنا أحد أبرز أساتذة الإقتصاد والتأمين فى مصروالعالم العربى الأستاذ الدكتور جمال شحاته عميد كلية التجارة بجامعة القاهرة واضعا أمام صناع القرار على مستوى الدولة ، وكذا القيادات التنفيذية وجهة نظره ورؤيته لأهم التحديات التى تواجه الإقتصاد العالمى وإنعكاس ذلك على إقتصادنا القومى . 

     يقول د. جمال شحاته فى مستهل حديثه أن العالم يواجه خمس تحديات كبيرة وعلى رأسها ” الضرائب والنمو المستدام” إذ يمكن للضرائب التصاعدية معالجة عدم المساواة ، على الرغم من أولويات الإنفاق المالى تختلف بشكل كبير من بلد لأخر ، وفى هذا الصدد يهمنا أن نشير لتقرير صندوق النقد الدولى الخاص بأفاق الإقتصاد العالمى والذى تم نشره فى أواخر عام 2018 . يقول التقرير فى صفحات منه أن الإصلاح الضريبي الأمريكي الأخير من المرجح أن يوسع العجز المالي للبلاد – والذي كان بالفعل تحت ضغط بسبب الإنفاق على دعم كبار السن في البلاد ــ   وبينما يوفر توسع العجز دفعة قصيرة الأجل للنشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة إلا أنه ووفقًا لصندوق النقد الدولي فقد   خلق مخاطر عالية ليس فقط للاقتصاد الأمريكي ولكن للاقتصادات العالمية الأخرى أيضًا. وفي أغسطس 2019 توقع مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي أن يصل العجز في البلاد إلى 960 مليار دولار في تلك السنة المالية، ومتوسط ​​1.2 تريليون دولار في كل عام من السنوات العشر المقبلة. يأتي هذا الضغط المالي في الوقت الذي أشارت فيه الإدارة الأمريكية إلى رغبتها في المضي قدمًا في الإنفاق الكبير المخطط منذ فترة طويلة على البنية التحتية. مما سبق يتبين لنا أولويات الدولة والسياسات المالية والطرق التي تجمع بها حكومتها الضرائب ووأساليب إنفاقها للموارد العامة يمكن أن تلعب أدوارًا رئيسية في تعزيز التنمية المستدامة والحد من الفقر ومعالجة عدم المساواة. ومع ذلك، تختلف الأولويات بشكل كبير من بلد إلى آخر، بينما أنفقت فرنسا ما يعادل 31.5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الإنفاق الاجتماعي (يُعرَّف بأنه الموارد المعاد توزيعها على الأسر ذات الدخل المنخفض أو كبار السن أو الشباب أو العاطلين عن العمل أو المعاقين أو المرضى) وفي عام 2016 أنفقت كوريا الجنوبية ما يعادل 10.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، بينما كان الرقم في الولايات المتحدة يعادل 19.3٪ من إجمالي الناتج المحلي . نستخلص من ذلك أن الضرائب يمكن أن توفر وسيلة لمعالجة عدم المساواة في السوق بشكل مباشر، طالما أنها مصممة لتقليل الثغرات، وتضمن نظامًا تقدميًا حيث يدفع أصحاب الدخل المرتفع حصة أكبر، وتوفر التمويل للوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليه دون إضعاف حافزهم للعمل. وفي الوقت نفسه، يمكن لشبكات الأمان الاجتماعي التي تمولها الحكومة أن تخفف من آثار الصدمات الاقتصادية الخارجية، وتساعد الفقراء المزمنين على الاستفادة من النمو.  

     وعن العولمة والتى تمثل التحدى الثانى .. قال د. جمال شحاته : حتى في البلدان التي استفادت من العولمة، تخلف الكثيرون عن الركب. لقد نجحت الولايات المتحدة ــ على سبيل المثال ــ  في تعزيز التجارة الدولية وإيجاد أسواق خارجية لا حصر لها لسلعها، إلا أن العديد من الوظائف التى تنتج تلك السلع  انتقلت في الوقت نفسه ، وهو ماتشير إليه الإحصائيات الصادرة من الولايات المتحدة حيث إنخفض عدد وظائف التصنيع في الولايات المتحدة   لأقل  من 11.5 مليون وظيفة عام 2010 مقارنة بــ  19.4  مليون وظيفة عام 1979. الولايات المتحدة  ــ يقول د. شحاته ــ ليست وحدها  في حين أن التجارة العالمية ساعدت على الحد من عدم المساواة بين البلدان، فإن عدم المساواة داخل البلدان يمثل مشكلة متزايدة. ووفقًا لصندوق النقد الدولي فقد  شهد أكثر من نصف دول العالم زيادة في عدم المساواة في الدخل على مدى العقود الثلاثة الماضية. وفي حين أن أنظمة توزيع الدخل ضعيفة الأداء بشدة بسبب الإهمال، فإن هذه ليست نتيجة حتمية للرأسمالية ،  وقد ساهم عدم إيلاء الاهتمام الكافي لمن حرموا من فوائد العولمة في إضعاف الإجماع السياسي ذاته الذي دعمها لفترة طويلة.

     ويتطرق د. جمال شحاته للتحدى الثالث والذى يدور حول  اقتصاديات الاستدامة البيئية ، إذ يرى سيادته أن التغيرات المناخية   والتى بات العالم يئن منها ، سيترتب عليها إعاقة شديدة للإنتاج والصحة حول العالم. ففي أواخر عام 2018 أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريرًا ينذر بالخطر. حيث أشار التقرير فى حينه إلى أن درجات الحرارة العالمية في طريقها لتكون أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية عن حقبة ما قبل الصناعة بحلول عام 2030. حاليًا درجة حرارة أعلى بمقدار 1 درجة مئوية فقط عن حقبة ما قبل الصناعة،  وقد أثمر ذلك عن عواقب وخيمة بما فى ذلك حرائق الغابات في القطب الشمالي، وزيادة كثافة الأعاصير. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، فإن الزيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية تعني ارتفاعًا سريعًا في مستوى سطح البحر، وظواهر شديدة الحرارة في معظم الأجزاء المأهولة بالسكان في العالم، واحتمال أكبر للجفاف، ومخاطر أخرى على الأمن البشري والنمو الاقتصادي. لقد أثر تغير المناخ والتلوث واستنفاد الموارد على الإنتاجية الاقتصادية لكل من البلدان والشركات الخاصة. وكل هذه القوى ــ يقول د. شحاته ــ تؤثرأيضًا بشكل غير متناسب على الفقراء، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. فوفقًا لإصدار من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2017، سيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بلد نموذجي منخفض الدخل أقل بنسبة 9٪ بحلول عام 2100 مما كان عليه الحال في غياب زيادات درجات الحرارة المرتبطة بتغير المناخ. أشارت طبعة لاحقة من التوقعات التي نُشرت في أواخر عام 2018 إلى أن النمو الاقتصادي العالمي القوي سيتطلب حماية أفضل للبلدان منخفضة الدخل ضد آثار تغير المناخ، مع أشياء مثل البنية التحتية الذكية مناخياً. وفى حين أن الصدمات المناخية المرتبطة بتغير المناخ لها تأثير مباشر على الإنتاج الزراعي، إلا أن لها أيضًا تأثيرات أوسع ــ يقول د. جمال شحاته ــ  تتعلق بإنتاجية العمالة، والوفيات، والصحة، والصراع ، حيث تؤدي التهديدات التي يتعرض لها الأمن الغذائي إلى تفاقم المشكلات القائمة بالفعل في الدول الهشة.    

     وعن اقتصاديات الثورة الصناعية الرابعة والتى تمثل التحدى الرابع للإقتصاد العالمى .. يرى د. جمال شحاته أن استجابات الدول للتغير التكنولوجي سوف تشكل التقدم الاقتصادي في الفترة المقبلة،  فيمكن للتكنولوجيا أن تعمل على أتمتة المهام التي تؤديها الآن شرائح كبيرة من القوى العاملة الحالية في أى دولة ، إلا أنها فى المقابل ستلحق الضرر بالنسيج الاجتماعي ، ووفقًا لتقرير حديث نشره معهد ماكينزي العالمي  ، سيحتاج ما يصل إلى 14٪ من القوى العاملة العالمية إلى تبديل المهنة بحلول عام 2030 نتيجة لزيادة الأتمتة. بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للتقريرذاته سيتعين على جميع العاملين  التكيف مع تطور وظائفهم جنبًا إلى جنب مع الآلات ذات القدرات المتزايدة من خلال تحقيق مستوى أعلى من التعليم أو من خلال قضاء المزيد من الوقت في شحذ الجوانب البشرية التي يصعب أتمتتها . الثورة الصناعية الرابعة ــ يقول د. شحاته ــ هى نقطة تحول في التنمية البشرية، حيث تختبر الوتيرة السريعة للتغير التكنولوجي التماسك الاجتماعي، وتتطلب استجابات سياسية جريئة من أجل تعزيز الابتكار بشكل أفضل ، وتطوير سياسة اقتصادية سليمة، وزيادة الإنتاجية بحكمة.

     وعن الإنتاجية والقدرة التنافسية والتى تمثل التحدى الخامس .. يقول عميد تجارة القاهرة د. جمال شحاته : في يونيو 2020 أفاد صندوق النقد الدولي أن الضربة التي لحقت بالإنتاجية مع تكثيف الشركات الباقية لممارسات السلامة في مكان العمل المتعلقة بـ  جائحة كورونا  من المرجح أن تسهم في انخفاض اقتصادي عالمي بنسبة 4.9 ٪ ، وحتى قبل تفشي الوباء كانت الحواجز التجارية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية تهدد بالتأثير على نمو الإنتاجية من خلال تعطيل سلاسل التوريد مما خلق نقاط ضعف مالية يمكن تضخيمها خلال فترة الانكماش التالية. إذا تعد مستويات الإنتاجية سببًا رئيسيًا وراء تمتع البلدان المختلفة بدرجات مختلفة من الازدهار، فالإقتصادات الأكثر تنافسية في العالم مثل الولايات المتحدة وألمانيا هى الأكثر إنتاجية بعدة مرات من البلدان النامية الكبيرة مثل نيجيريا، وهو مايفسر جزئيًا على الأقل سبب ارتفاع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة إلى أكثر من 60 ألف دولار، في حين يبلغ نصيب الفرد في نيجيريا حوالي 6000 دولار.  فبدون اقتصاد سريع النمو ــ يقول د. جمال شحاته ــ من المستحيل توليد مكاسب الأجور التي يريدها الناس بغض النظر عن كيفية تقسيم الثروة.

     ويختتم د. جمال شحاته حديثه بالقول : بناء علي ماسبق نري أن تقدم الإقتصاديات العالمية بعد الخروج من فترة جائحة كورونا يعتمد علي كيفيةإدارة الدول لإقتصادياتها من خلال حسن إدارة ملف الضرائب، وإدارة أثار العولمة، وإدارة الإستدامة البيئة وفق المنظومة العالمية، وكيفية إدارة أثار الثورة الصناعية الرابعة وخاصة في جانب العمالة والتوظيف، وأخيرا علي كل دولة التعامل بمهنية شديدة مع قضية الإنتاجية كمدخل أساسى لتحقيق التنافسية والتي تؤدي بدورها إلي تقدم حقيقي في مستوي المعيشة مع إيجاد حلول مبتكرة لمشاكل الإنتاجية تتفق وروح العصر وملابسات التقدم الحقيقي في مجال قياس الإنتاجية. فالفهم الدقيق لهذه القضايا يحدد مستوي التقدم الإقتصادي الممكن تحقيقه