أخباراقتصاد عربيبنوكبورصة

” المركزى ” فى دراسة سياسات مالية ملائمة في ظل جائحة كورونا

 

كتب:فتحى السايح وايمان الواصلى

 

يستعرض هذا الفصل تداعيات جائحة كوفيد 19 على الاقتصاد العالمى، وبصفة خاصة على المالية العامة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء فى ظل استمرار سباق التطعيم ضد الفيروس بين دول العالم، فبالرغم من ارتفاع تكلفة اللقاح على معظم الاقتصادات وعدم توافره كذلك لبعض الدول، إلا أن الحاجة العالمية إلى التطعيم أصبحت ماسة، لاسيما وأن تلك التكلفة سيتم تعويضها سريعا من خلال عودة التوظيف والنشاط الاقتصادي مرة أخرى، والذى بدوره سيؤدى إلى عودة الإيرادات الضريبية، وتحقيق وفورات كبيرة بالمالية العامة فى حالة السيطرة على الوباء عالميا.

 

ويشير الفصل إلى أنه يجب أن تظل السياسة المالية مرنة وداعمة لأنظمة الرعاية الصحية، وخاصة للقطاعات الأكثر تأثرا بتبعات الجائحة مثل الأسر الفقيرة، والشركات الصغيرة. وذلك إلى أن تتم السيطرة على الوباء عالمياً. وأوصى أن تكون تلك السياسات مصممة وفقا لظروف كل دولة، وتراعى الموائمة بين المخاطر الناجمة عن تنامي الديون من جهة، والمخاطر الناجمة عن سحب دعم السياسات قبل الأوان من جهة اخرى. ويتعين على صانعي السياسات وضع أطر مالية متوسطة الأجل، وتحسين تصميم القواعد الضريبية في المستقبل. وأوضح كذلك أن مقدار الدعم المطلوب يختلف من دولة لأخرى فى ضوء مدى تأثير الوباء، وقدرة الاقتصاد على تقديم الاقتراض منخفض التكاليف، حيث تمت الإشارة إلى أن الاقتصادات المتقدمة استطاعت تنفيذ تدابير واجراءات كبيرة فى جانبى الانفاق والايرادات خلال عام 2021 وبما يقارب نحو 6.0٪ فى المتوسط من الناتج المحلى الإجمالي لتلك الدول، فى حين خصصت الدول الناشئة والمنخفضة الدخل قدرا أقل من الموارد لاتخاذ التدابير اللازمة، وكانت إجراءاتها أكثر تركزا فى بداية الجائحة، أو محددة بأجل معين تم انتهاؤه.

 

وقد كان الدعم المالى المقدم من الدول لاقتصاداتها له بعض الآثار الايجابية والمتمثلة فى عدم حدوث تقلبات اقتصادية حادة، وخسارة أكبر للوظائف. وكذلك بعض الآثار السلبية على أوضاع المالية العامة بدول العالم، وتتمثل فى انخفاض الإيرادات بشكل كبير، وزيادة العجز الحكومي والديون إلى مستويات غير مسبوقة. فالنسبة لمتوسط ​​العجز الكلى الإجمالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، بلغ نحو 11.7٪ للاقتصادات المتقدمة، ونحو 9.8٪ لاقتصادات الأسواق الصاعدة، ونحو 5.5٪ للبلدان النامية منخفضة الدخل، وأن ارتفاع العجز الحكومى في الاقتصادات المتقدمة والعديد من اقتصادات الأسواق الناشئة ناتج عن زيادات متساوية تقريباً في الإنفاق وتراجع في الإيرادات، بينما في العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة ومعظم البلدان النامية منخفضة الدخل، نتج ذلك عن انهيار الإيرادات بسبب الانكماش الاقتصادى. وتوقع التقرير أن يتقلص العجز المالي في عام 2021 في معظم البلدان مع انتهاء الدعم المرتبط بالوباء أو انخفاضه، وكذلك تعافي الإيرادات إلى حد ما، وانخفاض المبالغ الموجهة كإعانات للبطالة بسبب الجائحة.

 

أما بالنسبة لمتوسط الدين العام في جميع أنحاء العالم فقد اشار التقرير انه وصل إلى نسبة غير مسبوقة بلغت نحو97٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وتوقع أن يستقر عند نحو 99٪ في عام 2021، وأوضح أن ذلك تزامن مع انخفاض متوسط سعر الفائدة على الديون بشكل عام فى الاقتصادات المتقدمة والناشئة نتيجة للإجراءات التى اتخذتها البنوك المركزية سواء بتخفيض اسعار الفائدة أو بشراء السندات الحكومية. أما بالنسبة للدول منخفضة الدخل فان محدودية الوصول إلى الأسواق، وضآلة نطاق زيادة الإيرادات في المدى القريب يمثل تحديا كبيرا لتمويل العجز الضخم الذى حدث بسبب الجائحة، ويشير التقرير أن هذه الدول ستحتاج إلى المساعدة من خلال المنح والتمويل الميسر، أو في بعض الحالات إعادة هيكلة الديون على المدى المتوسط. كما توقع أن يتقلص العجز المالي في جميع الدول مع زيادة وتيرة التعافي واستئناف التعديلات المالية، وبما يؤدى إلى استقرار نسب الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي او انخفاضها، مع استمرارها مرتفعة ببعض الدول بسبب عدة عوامل مثل شيخوخة السكان واحتياجات التنمية.

 

وبالنسبة لآفاق المالية العامة فأن عدم اليقين بشأن التوقعات المالية مرتفع بشكل غير عادي، فالتوقعات الإيجابية تعزز ارتفاع الايرادات مع تقليل الحاجة إلى دعم مالي إضافي فى حال أن تمكنت اللقاحات من القضاء على الوباء، أما التوقعات السلبية فتشير الى احتمال حدوث انكماش اقتصادي طويل، وصعوبة فى شروط الحصول على التمويل وسط ارتفاع الديون، وارتفاع مفاجىء فى عدد الشركات المفلسة، والتقلب في أسعار السلع الأساسية، وزيادة السخط الاجتماعي، ولخص التقرير ذلك أنه بشكل عام كلما طال أمد الوباء، زاد التحدي الذي يواجه المالية العامة.

 

فى ضوء ما سبق، فإن أولويات السياسة المالية تتمثل فى استمرار الدعم -حسب الحاجة- أثناء استمرار مراحل التطعيم لكل دولة، مع التنفيذ الفوري لكل من: الإجراءات المالية المعلنة، وتحسين القدرات بشكل عام فى تنفيذ المشروعات وإجراءات الشراء، والسعي إلى تحول أخضر ورقمي وشامل للاقتصاد، ومعالجة نقاط الضعف طويلة الأمد في المالية العامة بمجرد أن يتحقق الانتعاش، وتطوير استراتيجيات مالية متوسطة الأجل لإدارة المخاطر المالية والتمويلية، وتجديد الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وجاءت أهم التوصيات فى مجال المالية العامة فى النقاط التالية:

• توسيع نطاق التعاون العالمي لاحتواء الجائحة، وخاصة التطعيم المعجل بتكلفة معقولة في جميع البلدان. لتحقيق نمو اقتصادي قوى يدر إيرادات ضريبية إضافية تتجاوز التريليون دولار في الاقتصادات المتقدمة، على أساس تراكمي، بحلول عام 2025، ويوفر على المالية العامة تكلفة تدابير دعم تعادل تريليونات الدولارات الأخرى. ومن ثم فإن توفير اللقاح سيغطى تكلفته وزيادة، مما يحقق قيمة ممتازة للمال العام المستثمر في زيادة إنتاج اللقاح وتوزيعه عالميا.

• تحسين استهداف التدابير ومواءمتها لتتناسب مع القدرات الإدارية للبلدان المعنية حتى يمكن الحفاظ على الدعم المالي طوال الأزمة، حيث انه في ضوء الانخفاض السائد في أسعار الفائدة يمكن أن يتحسن النمو العالمي إذا بادرت البلدان التي تمتلك حيزا ماليا كافيا بإعطاء دفعة متزامنة للاستثمارات العامة الخضراء.

• الموازنة بين المخاطر الناشئة عن الدين العام والخاص الكبير والمتنامي، وبين المخاطر الناشئة عن التعجل في إلغاء الدعم المقدم من المالية العامة، مما قد يبطئ التعافي مع مراعاة الاطر المالية متوسطة الأجل لتحقيق هذا التوازن من جانب واضعى السياسات المالية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تصميم القواعد المالية أو إعادة معايرة حدودها لضمان سير التعديلات في مسار موثوق، أو من خلال وضع تشريع يرسي قواعد مثل “الموافقة المسبقة” على الإصلاحات الضريبية في المستقبل. حيث يمكن أن يؤدي تحسين شفافية المالية العامة وممارسات الحوكمة إلى مساعدة الاقتصادات على تحقيق الاستفادة القصوى من الدعم المالي.

• لتدبير الاحتياجات التمويلية المتعلقة بالوباء، يمكن لواضعي السياسات النظر فى إجراء إصلاحات ضريبية محلية ودولية من خلال فرض مساهمة مؤقتة على اصحاب الدخل المرتفع أو الثروات للتعافي من فيروس كورونا، بحيث يتم فرضها لتجميع الموارد اللازمة لتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز شبكات الأمان، وتنشيط الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

1