أخباراقتصاد عربيبورصةمقال

الاستثمارات الأجنبية ودورها في تحقيق التنمية في الدول النامية … هل يمكن التعويل عليها

تسعي جميع الدول وخاصة النامية منها، إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وذلك للمساهمة في سد فجوة الموارد المحلية (الادخار – الاستثمار) وفجوة النقد الأجنبي (الصادرات – الواردات). وفي سبيل تحقيق ذلك تقوم بإنفاق الكثير من أجل تحسين مناخ الاستثمار من أجل التنافس لجذب هذه الاستثمارات، وبعد أن كان يتم النظر لهذه الاستثمارات على أنها شكل من أشكال الاحتلال الاقتصادي في ستينات وسبعينات القرن العشرين، تغيرت النظرة للاستثمار الأجنبي مع مرور الوقت إلى أن أصبحت جميع الدول تسعى لجذبه باعتباره أهم مصدر من مصادر التمويل الدولي. ومن ثم فإننا في هذا المقال سوف نلقي الضوء على هذا النوع من الاستثمار ودوره في تحقيق التنمية في الدول النامية.

أولاً: مفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر: طبقاً لتعريف المنظمات الدولية ينقسم الاستثمار الأجنبي إلى نوعين، النوع الأول، هو الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment (FDI) وهو الاستثمار الذي يملك فيه المستثمر الأجنبي نسبة 10% أو أكثر من أسهم المؤسسة في الدولة المضيفة بحيث يكون له حق الإدارة والسيطرة، ويمثل هذ النوع حوالي 40% من تدفقات رؤوس الأموال الوافدة للدول النامية حسب تقرير الاستثمار الأجنبي الصادر عن هيئة الأنكتادUNCTAD . أما إذا قلت نسبة المستثمر الأجنبي عن 10% فيصنف الاستثمار الأجنبي على أنه استثماراً أجنبياً غير مباشر أو استثمارات المحفظة Portfolio Investment، ويمثل هذا النوع حوالي 20% من التدفقات الوافدة للدول النامية. ويعد الاستثمار الأجنبي المباشر أكبر مصادر التمويل الدولي وأكثرها استقراراً مقارنة باستثمارات المحفظة.

ثانياً: الدول النامية والمنظمات الدولية وتغير النظرة للاستثمار الأجنبي:

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية النصف الثاني من القرن العشرين أخذت الدول النامية استقلالها، وبدأت طريقها نحو التنمية. وخلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين اعتمدت هذه الدول على القروض الخارجية في تمويل فجوة الموارد المحلية (الادخار – الاستثمار) وفجوة النقد الأجنبي (الصادرات – الواردات)، حيث كان يتم النظر للاستثمار الأجنبي آنذاك على أنه مظهر من مظاهر الاحتلال الاقتصادي في وقت كانت معظم هذه الدول تكافح الاستعمار بكل أشكاله.

ومع بداية عقد الثمانيات وتفجر أزمة المديونية العالمية وجدت معظم هذه الدول نفسها غير قادرة على سداد أعباء هذه الديون، ومن ثم لجأت إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق البنك الدولي والبنك الدولي لإعادة هيكلة ديونها. وقد انتهزت هذه المنظمات الفرصة للتدخل في شؤون هذه الدول وتعديل سياساتها الاقتصادية بما يخدم مصالح الدول الكبرى لفتح أسواق هذه الدول أمام صادرات الدول الصناعية الكبرى وتعبيد الطرق أمام الاستثمارات الأجنبية الخارجة من هذه الدول والتي تسعى إلى الاستفادة من المواد الخام والعمالة الرخيصة في هذه الدول والتسويق لهذه الاستثمارات على أنها البديل التمويلي الأنسب للدول النامية مقارنة بالقروض الخارجية، معللة ذلك بأنها تنقل التكنولوجيا والخبرات الإدارية.

ومن ثم قامت المنظمات الدولية – صندوق النقد والبنك الدوليين – بتصميم برامج التثبيت والتكيف الهيكلي أو ما يعرف إعلامياً ببرامج الإصلاح الاقتصادي، وتقوم فلسفة هذه البرامج على فكرة مؤداها أن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول النامية ترجع في الأساس إلى أخطاء السياسات الاقتصادية الكلية في هذه الدول ومن ثم فإن العلاج يتطلب تعديل هذه السياسات من خلال انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي، وإفساح المجال للقطاع الخاص المحلي والأجنبي ليقوم بالدور الرئيس في عملية التنمية. ويتطلب ذلك تحسين مناخ الاستثمار لجذب المزيد من هذه الاستثمارات، وقد بدأت معظم الدول النامية تتنافس في جذب هذه الاستثمارات من خلال إعطائها المزايا السخية سواء في شكل تنازلات ضريبية أو في شكل تحسين البنية التحتية.

وقد استطاعت بعض الدول النامية الاستفادة من هذه الاستثمارات الأجنبية وتوجيهها بما يخدم مصلحتها ويدعم خطط التنمية الخاصة بها، ومن هذه الدول دول جنوب شرق آسيا والصين. أما البعض الآخر فلم يستطع الاستفادة من هذه الاستثمارات فقامت بإعطائها الإعفاءات السخية دون وضع خطة للتعامل مع هذه الاستثمارات وتوجيهها بما يخدم أهداف التنمية، فكانت هذه الاستمارات في شكل استثمار باحث عن الثروات الطبيعية والمواد الخام أو العمالة الرخيصة، أو في شكل استثمار باحث عن السوق أو عبارة عن استثمارات مستهلكة للطاقة وملوثة للبيئة تتخلص منها الدول المتقدمة عن طريق نقلها للدول النامية كما هو الحال في مصر، ولم نجد استثمارات أجنبية تذكر في القطاع الصناعي أو الزراعي أو البنية التحتية.

ثالثاً: توصيات لتعظيم الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية

نرى أنه من أجل تعظيم الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية سواء المباشرة أو غير المباشرة ضرورة وضع خطة للتعامل مع هذه الاستثمارات وتصنيفها قطاعياً بحيث يتم تقديم الدعم والمزايا للاستثمارات الأجنبية في القطاعات التي تخدم أهداف الدولة الاقتصادية والاجتماعية كالقطاع الصناعي والزراعي على سبيل المثال، ومن ثم ترشيد الدعم المقدم لهذه الاستثمارات. وأيضا يجب التخلص من عقدة الخواجة وتدعيم المستثمر المحلي وتقديم الدعم له لأنه الأولى بالرعاية من المستثمر الأجنبي لأنه في أوقات الأزمات لن يترك الدولة ويهرب كما يفعل المستثمرون الأجانب. ويجب أن يكون واضحاً في ذهن متخذ القرار أن المنظمات الدولية هذه والتي تسيطر عليها الدول الكبيرة، تعمل بالأساس لخدمة مصالح هذه الدول وبما يخدم مصلحتها فقط، ومن ثم يتم صياغة برامج الإصلاح الاقتصادي للدول النامية من أجل هذه الهدف وزيادة قدرة هذه الدول على سداد ديونها والتي هي في الأساس ديون لمستثمرين أجانب.

 

دكتور

عيد رشاد عبد القادر

مدرس الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس

ورئيس شعبة الدراسات الاقتصادية بمركز بحوث الشرق الأوسط