أخباراتصالات وتكنولوجيااقتصاد عربي

إفريقيا تواجه تحديات الاستفادة من الجيل الرابع قبل الاستثمار فى “الخامس”

اية حسين

أشار تقرير حديث أصدرته “الرابطة العالمية لمشغلى شبكات الاتصالات” GSMA تحت عنوان: “إفريقيا الجيل الخامس.. إدراك الإمكانات”، إلى أن تقنيات الجيل الخامس من الاتصالات المحمولة ستساهم فى اقتصاد القارة الإفريقية بما يقدر بـ 26 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقا لتقرير حديث صادر عن GSMA بعنوان 5G Africa: إدراك الإمكانات.
وأوضح التقرير أن الأنشطة المتعلقة بشبكات الجيل الخامس بدأت تنتشر فى جميع أنحاء إفريقيا، بما فى ذلك مزادات الطيف الترددى، والتجارب التجريبية، والتشغيل التجارى، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتطوير حالات استخدام الجيل الخامس محليا، مما يعنى أن شبكة الجيل الخامس ستشكل 20 ٪ من اتصالات الهاتف المحمول فى إفريقيا بحلول عام 2030.
ومع ذلك، قالت آنجيلا وامولا، رئيسة منطقة إفريقيا جنوب الصحراء فى GSMA، فى مقدمة التقرير، إن تقنيات الجيل الرابع للاتصالات المحمولة ما زالت تتوسع، ولديها فرص كبيرة للنمو فى القارة، خصوصا وأن حوالى 60 ٪ من الأفارقة البالغين مازالوا غير متصلين بالإنترنت عبر الهاتف المحمول، على الرغم من أنهم يعيشون فى أماكن مغطاة بشبكات الجيلين الثالث والرابع.
وأضافت: “انتشار الجيل الخامس فى إفريقيا هى مسألة وقت. وغالبا ما يعتمد القرار بشأن موعد إطلاق الجيل الخامس على عدد من العوامل التى ترتبط بالأسواق المحلية التى تعكس مدى استعداد شركات الاتصالات لطرح شبكات الجيل الخامس، وكذلك مدى استعداد العملاء من الشركات والأفراد للإقبال على خدمات الجيل الخامس والحلول التى تدعمها، خصوصا فى قطاعات تجارة التجزئة والتصنيع والزراعة”.
التبنى السريع
تشهد الجيل الخامس معدلات انتشار أسرع بكثير مقارنة بمعدلات انتشار شبكات الجيلين الثالث والرابع فى السنوات القليلة الأولى بعد الإطلاق، حيث استغرقت شبكات الجيل الثالث ما يقرب من 11 عاما، وشبكات الجيل الرابع حوالى 8 سنوات بعد إطلاق كل منهما للوصول إلى نفس المرحلة. وعلى الصعيد العالمى، من المتوقع أن يتجاوز إجمالى الاتصال بشبكات الجيل الخامس حاجز 2 مليار اتصال بالشبكة بحلول نهاية عام 2025 وأن يصل إلى نحو 5.3 مليار اتصال بالشبكة بنهاية العقد الحالى (2030).
تحدى الجيل الخامس
تم إطلاق أول خدمات الجيل الخامس التجارية فى العالم فى عام 2019 فى كوريا الجنوبية، وسرعان ما تبعتها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، والصين. وتقول الصين، إن لديها أكثر من 250 مليون اشتراك فى شبكات الجيل الخامس. وتتوقع شركة إريسكون أن يصل عدد المشتركين فى شبكات الجيل الخامس إلى 5 مليارات مشترك بحلول عام 2028، أى ما يعادل 60 % من سكان العالم.
أما بالنسبة للقارة الإفريقية، فقد أطلقت نحو 12 دولة من أصل 54 دولة خدمات الجيل الخامس وهى: (بوتسوانا، وكينيا، وموريشيوس، ومدغشقر، ونيجيريا، وسيشيل، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا، وتوغو، وزيمبابوى، وزامبيا، وإثيوبيا). ولكن من المتوقع أن تكون نسبة الاتصال بشبكات الجيل الخامس فى إفريقيا ضعيفة مقارنة ببقية القارات، ففى الوقت الذى تتوقع فيه شركة إريكسون أن يحصل 80 % من مستخدمى الهاتف فى أوروبا على خدمات الجيل الخامس بحلول عام 2027، فإن اشتراكات الجيل الخامس فى إفريقيا، التى تضم 1.4 مليار نسمة لن يستفيد منها إلا ما يقارب 10 % فقط من سكان القارة السمراء.
هل تحتاج إفريقيا إلى الجيل الخامس؟
يعتقد مارك ووكر، نائب الرئيس المساعد لمؤسسة الأبحاث الدولية IDC لجنوب وشرق وغرب إفريقيا، أن انخفاض نسب الاتصال بشبكات الجيل الخامس فى إفريقيا يعود إلى عاملين مهمين، هما ارتفاع التكلفة، ونقص الطلب، وبالذات عند سكان المناطق الريفية فى إفريقيا. ويضيف: “من الناحية النظرية، تعد الجيل الخامس تقنية رائعة بلا جدال، ولكنها تواجه بعض العوائق المتعلقة بطبيعة تصميم الشبكة، فنموذج النشر الخاص بالجيل الخامس مخصص للبيئات عالية الكثافة مثل المصانع، لذا فهو ليس جيدا للاتصالات بعيدة المدى. وبالنسبة للقارة الإفريقية هناك الكثير من الأشياء بعيدة المدى، التى تجعل انتشار الشبكة مكلفا وتوافرها ضعيفا”. ويؤكد: “غالبا ستختار الشركات المشغلة للشبكات أماكن معينة للتركيز عليها بحيث يكون للشبكة أكبر تأثير، وبالتالى لن تنتشر إلا فى المدن الرئيسية، وفى الأحياء التى توجد فيها الهيئات الحكومية، أو أسواق المال”.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بحالات استخدام شبكات الجيل الخامس، وهى الأتمتة، فمن الممكن أن تكون الأتمتة عنصرا مساعدا لانتشار شبكات الجيل الخامس فى البيئات الصناعية فى مناطق كثيرة حول العالم، بينما ستكون عنصرا معوقا فى إفريقيا حيث العمالة رخيصة نسبيا. وسيكون من المنطقى الاعتماد على العمالة الرخيصة للقيام بالأعمال بدلا من نشر التقنيات التى تعتمد على الجيل الخامس.
وعلى الرغم من هذه الظروف إلا أن شركات عالمية مثل اورنج وفودافون قامت بنشر شبكات الجيل الخامس فى دول القارة. فعلى سبيل المثال تمتلك اورنج أكثر من 142 مليون عميل فى 18 دولة إفريقية، مما يتيح لها الوصول إلى ما يقرب من 10 % من السكان، وتستثمر مليار يورو (1.1 مليار دولار) كل عام فى إفريقيا والشرق الأوسط. وقامت الشركة بنشر أول شبكة الجيل الخامس لها فى بوتسوانا،
ويؤكد جوسلين كاراكولا، كبير مسئولى الابتكار التكنولوجى، فى شركة اورنج الشرق الأوسط وإفريقيا: “الوصول إلى تقنيات الجيل الخامس يعتمد بشكل مباشر على الطيف الترددى والموقع، بالإضافة إلى السعر الذى يختلف من بلد إلى آخر. وقد قمنا بنشر الشبكة فى بوتسوانا لأن الطيف الترددى كان فى متناول الجميع”. وأضاف: “تخطط اورنج لإطلاق خدمات الجيل الخامس فى ما بين 3 إلى 6 دول أخرى فى جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط العام المقبل. ومن المحتمل أن تكون ساحل العاج والسنغال على رأس القائمة”.
وبالنسبة لفودافون كانت شركة فوداكوم التابعة لها أول من أطلق الجيل الخامس فى جنوب إفريقيا فى مايو 2020. ويتوفر الجيل الخامس من فوداكوم الآن فى جميع المقاطعات التسع فى البلاد. كما تعمل فوداكوم أيضا فى العديد من البلدان الإفريقية الأخرى بما فى ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية وليسوتو وموزمبيق وتنزانيا، بينما تعمل شركتها الفرعية “سافاريكوم” Safaricom فى كينيا وإثيوبيا.
وعلى الرغم من الاهتمام بنشر الجيل الخامس، فإن الطلب على الجيل الرابع وخدماته لم ولن يختفى بين عشية وضحاها، بل ومن المتوقع أن تعمد الشركات فى إفريقيا، وجميع أنحاء العالم إلى إيقاف تشغيل خدمات الجيلين الثانى والثالث، لإعادة استخدام الطيف المخصص لهما فى دعم خدمات الجيل الرابع. وتخطط الحكومة فى جنوب إفريقيا لإيقاف تشغيل هذه الأنظمة القديمة فى غضون السنوات الثلاث المقبلة، لتمكين المشغلين من إعادة توجيه الطيف إلى الجيلين الرابع والخامس.
وتقول شركة فوداكوم، إن تقنيات الجيل الرابع ستستمر فى لعب دور أساسى فى خطط التغطية. وتؤكد الشركة أن هذه أفضل طريقة لتغطية المناطق الريفية، حيث تواصل حتى اليوم إنشاء مواقع جديدة للشبكة فى المجتمعات الريفية فى جنوب إفريقيا، ونجحت حتى الآن فى توفير تغطية الجيل الرابع لما يقارب 95.8 % من سكان الريف.
ويقول جوسلين كاراكولا: “عند التفكير فى تسريع نشر خدمات الجيل الخامس، من المهم أن نتطلع إلى تحديث شبكات الجيل الرابع أولا”. ويضيف: “من الواضح أن شبكة الجيل الرابع ناجحة حتى اللحظة فى توفير الخدمات التى يحتاجها المستهلكون. ويمكننا أن نرى بوضوح أن شركة إم تى إن غينيا، بدأت للتو المرحلة التجريبية لشبكة الجيل الرابع الخاصة بها. وفى الوقت نفسه، تتطلع ناميبيا إلى توسيع شبكة الجيل الرابع، ولن يكون هناك إطلاق للجيل الخامس هذا العام. والأولوية حاليا للجيل الرابع”.
الاستثمارات
مع الضغوط الاقتصادية التى يتعرض لها العالم، تسعى شركة هواوى الصينية للاستفادة من الظروف، فقد قامت مؤخرا بمساعدة شركة “تليكوم” Telkom الجنوب إفريقية على إطلاق شبكة الجيل الخامس. وتعتبر هذه الخطوة مهمة جدا لها لأنها تحاول مواجهة الانتكاسات التى تتعرض لها فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا، بسبب صلاتها بالحكومة الصينية عن طريق توجيه استثماراتها إلى القارة الإفريقية.
ويؤكد بنيامين هو، رئيس هواوى شمال إفريقيا، أن الشركة ستواصل زيادة استثماراتها فى إفريقيا لدعم التطور المطرد للجيل الخامس لتسهيل التحول الرقمى فى القارة.
وفى مصر أعلن المهندس حازم متولى، الرئيس التنفيذى لشركة اتصالات مصر من e& فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته الشركة فى 8 فبراير الجارى، أن تفعيل خدمات الجيل الخامس مرهون بما ستحققه من عوائد على الاستثمار فيها. وأوضح متولى: “خدمات الجيل الرابع للاتصالات أحدثت طفرة نوعية فى طبيعة الخدمات المقدمة للعملاء منذ بدء تشغيلها”. وأضاف: “نسبة تغطية خدمات الجيل الرابع على شبكة اتصالات مصر تتجاوز حاليا 90 % من مناطق الجمهورية. وقد واصلنا التوسع فى بناء محطات أبراج محمول جديدة خلال المرحلة الماضية، حيث استحوذت تلك الأبراج على 50 % من النفقات الرأسمالية المخصصة للاستثمار فى تطوير الشبكة”.
بالعودة إلى توقعات شركة إريكسون، بحلول عام 2028 ستمثل اشتراكات الجيل الخامس 14 % فقط من إجمالى الاتصالات فى إفريقيا، بينما ستبقى 55 % من الاتصالات على شبكات الجيل الرابع. بل، واللافت للنظر، أن الجيل الثانى، الذى يتم التخلص التدريجى منه فى العديد من البلدان فى جميع أنحاء العالم، سيظل لديه اتصالات أكثر من الجيل الخامس فى إفريقيا حتى عام عام 2028.
ويؤكد جوسلين كاراكولا أن إفريقيا تأخرت بشكل عام مقارنة بالأسواق الأخرى مثل أوروبا. وعلى الرغم من توقعات إريكسون القاتمة، إلا أن المؤكد أن إفريقيا نجحت فى سد الفجوة، وأنها تحصل على الجيل الخامس فى نفس الوقت مقارنة بالقارات الأخرى.
وسواء صحت التوقعات بشأن انتشار الجيل الخامس فى إفريقيا أم لم تصح، فمن الواضح أن على دول القارة التفكير جيدا فى تحقيق الاستفادة الكاملة أولا من شبكات الجيل الرابع، قبل أن تفكر فى الدفع بالجيل الخامس.