د. محمد حافظ ابراهيم
وفقًا لمجموعة من الأبحاث، فإن العمر النفسي له تأثير حقيقي للغاية على الصحة وطول العمر و بالتالى الشيخزخه . فالأشخاص الذين يشعرون بأنهم أصغر من سنواتهم غالبًا ما يكونون كذلك، من حيث المدة التي لازالت أمامهم ليعيشوها. ما الذى يتحكم في عمرنا النفسي، وما إذا كان بإمكاننا تغييره،ومعالجته علميًا.
اوضحت الأبحاث عن بعض الإجابات المفاجئة حول العمر النفسي . فالخبر السار هو أن العديد من العوامل التي تساعد في تحديد مدى شعورنا بالعمر هي أشياء يمكننا التحكم فيها لإضافة سنوات إلى حياتنا والحياة إلى سنواتنا. وأن مجرد حساب عدد السنوات التي قضاها شخص ما على قيد الحياة ليس بالضرورة الطريقة الأكثر دقة لقياس طول العمر.
وتقيس ساعات الشيخوخة البيولوجية علامات مختلفة في الجسم لمعرفة مدى تقدمنا في عملية الشيخوخة الجسدية. لكننا نعلم أن الشيخوخة الجسدية ليست هي كل شيء ونهاية كل شيء. ويدرك علماء الشيخوخة أنه مثلما يمكننا تحديد الطرق التي تؤثر بها الشيخوخة الجسدية على أجسامنا، هناك بعض التغييرات النفسية المتوقعة التي تأتي مع تقدم العمر أيضًا.
ففي أواخر التسعينيات، قامت الدكتوره لورا كارستنسن، عالمة الشيخوخة بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، بقياس كيفية تغير علم النفس البشري عادة مع تقدمنا في العمر. وأظهر عملها أن الشباب الذين يبدو الوقت بالنسبة لهم غير محدود، لديهم الحافز لمتابعة المعرفة حول العالم المادي والاجتماعي لاستكشاف وإنشاء روابط جديدة.
ونتيجة لذلك، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر حماسًا، وتطلعًا إلى الخارج، واجتماعيين أكثر من آبائهم وأجدادهم، ولكنهم أيضا أكثر سطحية، ومندفعين، ولديهم هشاشة عاطفية. في هذه الأثناء، يشعر كبار السن بأن أمامهم سنوات أقل للعب معهم، ويبتعدون عن الاستكشاف ويركزون على إيجاد المعنى والألفة العاطفية ومشاركة حكمة سنواتهم.
(فالعمر النفسي مجرد شعور). حتى في هذا المسار النفسي العام، يختلف العمر النفسي بشكل كبير.وهذا ليس مفاجئًا بشكل رهيب فنحن جميعًا نعرف أشخاصًا صغارًا في القلب وشبابًا يفكرون ويتصرفون أكبر من سنواتهم. ومن المثير للاهتمام أن الدراسات تشير إلى أن كونك شابًا في القلب مفيد جدًا لك.
ويرتبط العمر النفسي المنخفض بصحة أفضل وطول العمر والرفاهية العامة، في حين أن الأشخاص الذين لديهم عمر نفسي أكبر لديهم مستويات أعلى من الالتهابات وعلامة على اعتلال الصحة العامة، وأدمغة أكبر سناً. فالعمر النفسي الأدنى مرتبط بصحة ورفاهية أفضل.
واوضحت ابحاث أجراها الدكتور أنطونيو تيراتشيانو في جامعة ولاية فلوريدا في بيانات من ثلاث دراسات شملت أكثر من 17000 شخص لمدة تصل إلى 20 عامًا. ولقد أكدوا أن العمر النفسي ليس مجرد شعور، ولكنه أيضًا مؤشر دقيق جدًا للصحة. حيث يقول الناس الذين يشعرون بأنهم أصغر سنا يعيشون لفترة أطول، بينما أولئك الذين يشعرون بأنهم أكبر سنًا يكون عمرهم أقصر.
تكمن المشكلة في أن الأمر ليس بهذه البساطة مثل سؤال الناس عن مدى شعورهم بالعمر، كما تقول الدكتوره ماريا ميتينا، عالمة الأحياء فى هونغ كونغ والتي تعمل على حل المشكلة. حيث يمكن أن يتقلب العمر النفسي على نطاق واسع اعتمادًا على الحالة المزاجية والظروف، لذلك قد لا تعكس إجابات الأشخاص مدى شعورهم بالعمر في معظم الأوقات.
وتقول الدكتوره ماريا ميتينا إن كل واحد منا لديه خط أساس نعود إليه باستمرار والذي قد يتطابق أو لا يتطابق مع عمرنا بالسنوات أو موقفنا من الجدول الزمني النفسي. حيث يعد العمر الذاتي بمثابة مقياس مهم آخر لجودة الحياة، ألا وهو السعادة. حيث تختلف مستويات السعادة التي يبلغ عنها الأفراد بشكل كبير من يوم لآخر وحتى من ساعة إلى أخرى، لكن سعادة الفرد تميل إلى التقلب حول خط أساس مميز.
فيمكن للشخص المبتهج بشكل مزاجي أن يمر بأيام سيئة، لكنه دائمًا ما ينجذب إلى هذا الوسط السعيد. بسبب التقلبات قصيرة المدى في العمر الذاتي، فإن سؤال شخص ما ببساطة كم هو عمرك النفسي فهذا ليس دليلاً موثوقًا به بشكل خاص لخط الأساس للعمر النفسي. اى إنه ليس متغيرًا ثابتًا فربما تشعر اليوم بأنك أكثر سعادة وأصغر سنا، ولكن في غضون أسبوعين، تكون أنت غير سعيد وسيتغير عمرك النفسي كما تقول الدكتوره ماريا ميتينا.
واوضح الدكتور أليكس زافورونكوف، الباحث في معهد باك لأبحاث الشيخوخة في كاليفورنيا، عما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد فى ذلك . ولقد استخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي لاكتشاف علامات جديدة للشيخوخة البيولوجية. وفقًا الدكتور أليكس زافورونكوف تعد هذه الساعات البيولوجية واحدة من أهم التطورات الحديثة في أبحاث الشيخوخة، رغم أنها لا تشمل الجانب النفسي.
حيث تتمثل الفائدة الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في أنه يمكنه تحديد الأنماط في مجموعات البيانات الكبيرة التي لا يمكن تمييزها للبشر، مما يسمح له بربط العمر الذاتي بالعوامل التي يبدو أنه مرتبط بها.
كان هذا برنامجًا بحثيًا يديره المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة، والذي تم تصميمه لفهم كيفية تأثير العوامل السلوكية والنفسية والاجتماعية على الصحة والرفاهية مع تقدم العمر. كان الأمل في أن يسمح الذكاء الاصطناعي للفريق بتطوير ساعة شيخوخة نفسية مثل الساعة البيولوجية. حيث سُئل المتطوعون أكثر من 1000 سؤال حول جميع جوانب حياتهم، بما في ذلك صحتهم الجسدية والعقلية ورفاههم وشخصيتهم ومعتقداتهم وحياتهم الاجتماعية وحياتهم الجنسية.
كانت الخطوة الأولى الدكتور أليكس زافورونكوف وزملائه تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي لشيخوخة الساعة البيولوجية والتنبؤ بدقة بالعمر الزمني والنفسي لكل فرد من إجاباتهم. وهناك علامة بيولوجية موجودة في الدم يعتقدون أنها يمكن أن تشدد التقدير. ويعتقد الباحثون بالفعل أن نموذجهم جيد بما يكفي للسماح لهم بتحديد العوامل السلوكية ونمط الحياة التي كانت تنبئ بالعمر الذاتي، والأهم من ذلك أنها قابلة للتعديل. ربما ليس من المستغرب أن يكون التأثير الأكبر هو الصحة البدنية.
سن أكبر وأكثر حكمة حيث يتناغم هذا مع الأبحاث التي أجريت على المعمرين والتي تُظهر أن هناك شيئًا مشتركًا بينهم هو (الطبيعة المتفائلة والمجتمعية ). وفقًا للدكتوره لكاري كريستنسن، التي تدير المركز الدنماركي لأبحاث الشيخوخة بجامعة جنوب الدنمارك، فإن السلوك الإيجابي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعمر الطويل أكثر من أي امر حيوي اخر. تقول الدكتوره ماريا ميتينا انه يبدو أنك إذا كنت سعيدًا جدًا بحياتك الجنسية، فأنت أصغر من الناحية النفسية، لذا فإن الاستثمار في العلاقات الوثيقة يمكن أن يجعلك أصغر سناً ويحسن رفاهك. وقامت الدكتوره ماريا ميتينا بتقليص الاستبيان إلى 15 سؤالًا فقط، ولم يسأل أي منها بشكل مباشر عن مدى شعورك بالعمرالنفسى .
